السلام عليكم
مقدمة :
يعرف العالم تغيرات وتطورات سريعة في جميع المجالات أدت إلى ظهور منافسة حادة وقوية بين المؤسسات وحتى بين الدول، تجبرها على البحث الدائم عن الموارد التي تسمح لها بمواجهة هذه المنافسة. لكن الندرة النسبية في مجال الموارد من جهة، وضرورة الاستمرار من جهة أخرى، فرض على الدول بصورة أو بأخرى التعاون والتكامل فيما بينها على جميع الأصعدة.
أهم طرق التعاون السائدة في العالم هي اتفاقيات الشراكة، حيث تعرف هذه الأخيرة على أنها عقد أو اتفاق بين مشروعين أو أكثر قائم على التعاون فيما بين الشركاء، و يتعلق بنشاط إنتاجي أو خدمي أو تجاري، وعلى أساس ثابت و دائم وملكية مشتركة، وهذا التعاون لا يقتصر فقط على مساهمة كل منهم في رأس المال وإنما أيضا المساهمة الفنية الخاصة بعملية الإنتاج واستخدام الاختراع والعلاقات التجارية والمعرفة التكنولوجية؛ والمساهمة كذلك في كافة العمليات ومراحل الإنتاج والتسويق، وبالطبع سوف يتقاسم الطرفان المنافع والأرباح التي سوف تتحقق من هذا التعاون طبقا لمدى مساهمة كل منهما المالية والفنية.
الجزائر وكغيرها من الدول بحاجة إلى تعاون الدول الأخرى معها خصوصا بعد الظروف الاستثنائية التي مرت بها، وبعد توقيع كل من فلسطين والأردن وتونس والمغرب ومصر اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي جاء دور الجزائر.
سنحاول من خلال هذا العرض توضيح أهم النقاط المتعلقة بالقضية التفاوضية المتمثلة في مفاوضات الشراكة الجزائرية الأوروبية، مجيبين على التساؤل التالي :
" ما هي أهم الجوانب المتعلقة بمفاوضات الشراكة الجزائرية الأوروبية ؟"
1- أطراف التفاوض :
تتمثل الأطراف الجالسة على طاولة حوار واتفاق عقد الشراكة في : دول الاتحاد الأوروبي من جهة، والجزائر من جهة أخرى.
2- الظروف المحيطة بالتفاوض :
تتمثل أهم المعطيات التي دفعت بالطرفين الأوروبي والجزائري (على وجه الخصوص) إلى التفاوض حول الشراكة فيما يلي :
- تكريس الجزائر لأسس النظام الديمقراطي القائم على التعددية والاعتراف بالحقوق المدنية والسياسية الفردية والجماعية.
- إتمام احتكار الدولة الجزائرية للنشاط الاقتصادي والتجاري والمالي وفتح المجال واسعا أمام القطاع الخاص.
- انطلاق الدعوة في الجزائر إلى تشجيع الرأسمال الأجنبي على الاستثمار في مختلف القطاعات الإنتاجية.
- عدم امتلاك الجزائر لإمكانيات كافية لاستغلال الثروات الطبيعية كما ونوعا.
- وجود شراكة بين الاتحاد الأوروبي وكل من تونس والمغرب.
3- مراحل المفاوضات : أهم الجولات التي مرت بها هذه المفاوضات هي :
3-1- الجولة الأولى : 04 و 05 مارس 1997م بـ بروكسل.
عرفت هذه الجولة تباينا كبيرا في الآراء بين الجانبين الجزائري والأوروبي في عدة مجالات، وتمثل هذا التباين في :
أ- المحور السياسي والأمني :
- حسب التصور الجزائري ارتكز هذا المحور على تكريس مبدأ التشاور، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب.
- بينما شدد الجانب الأوروبي على احترام مبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
ب- المحور الاقتصادي :
- رفض الجزائر للربط بين إلزامية النمو الاقتصادي وبين إنشاء منطقة للتبادل الحر، وذلك حتى تضمن تحقيق التوازن في المبادلات التجارية.
- بينما الجانب الأوروبي كان يرى حتمية الإسراع أولا في الإصلاحات الاقتصادية وفي مقدمتها إتمام إعادة هيكلة المؤسسات، واستكمال مسار عملية الخصخصة بالجزائر.
ج- المحور الاجتماعي :
- حسب التصور الجزائري تضمن وضعية اليد العاملة الجزائرية في أوروبا، والتمسك بضرورة ضمان حقوق أفراد الجالية الجزائرية وحفظ كرامتها.
- بينما عند الجانب الأوروبي، تمثلت الهجرة غير الشرعية نقطة أساسية ينبغي حسمها نظرا لما قد ينطوي على تفاقمها من مخاطر.
انتهت هذه الجولة بالنتائج التالية :
- الاتفاق حول أهداف ومبادئ الحوار السياسي، من خلال الإعلان عن تطابق وجهات النظر فيما يخص مسائل حقوق الإنسان والديمقراطية وضمان الأمن والسلم والاستقرار.
- تسجيل انشغال الطرف الجزائري لعدم ورود أحكام في مجال مكافحة الإرهاب، كانت الجزائر تعتبرها ضرورية وعناصر أساسية لضمان استقرار المنطقة.
- بقي الجانب الاقتصادي والمالي دون تحديد لخطوطه العريضة لاختلاف وجهتي نظر الطرفين، بين مسعى أوروبي داع إلى إنشاء منطقة تبادل حر، ورفض جزائري لكونه يعكس منطقا اندماجيا.
- أمل الجزائر في أن تكون هناك شراكة بالتنمية، وأن تتغير نظرة الدول في الاتحاد الأوروبي للجزائر كونها مجرد "سوق".
- انشغال الطرف الجزائري بخصوص محاولة تقييد حرية تنقل الأشخاص بما يتنافى مع الأهداف التي تم تحديدها في مجال تنقل البضائع والخدمات.
- علقت في نهاية هذه الجولة عقبات تتعلق بمسألة فتح الحدود أمام تدفق السلع الأوروبية وإزالة التعريفات الجمركية، وهي مسائل لا تراها الجزائر ممكنة قبل أن تتمكن هي أولا من تدعيم القيمة التنافسية لمنتجاتها.
نقاط قوة الموقف الجزائري :
الجانب الجيوستراتيجي وثروات الطاقة التي أصبحت تسد الجزء الأكبر من احتياجات أوروبا بعد تدشين أنبوب الغاز الجزائري- الأوروبي.
3-2- الجولة الثانية : 22 و23 أفريل 1997 بـ مالطا.
اتسمت أجواء الانطلاقة بالحذر من كلا الطرفين حول بعض النقاط الأساسية التي بقت شائكة للتوصل إلى اتفاق نهائي حول الشراكة، وأبرز هذه النقاط :
أ- بالنسبة للجزائر :
- مسألة التخفيض الجبائي والجمركي في الجزائر، فمن الجانب الجزائري يمثل رفع الرسوم الجبائية أهم ضمانة لحاجيات الخزينة العمومية، خاصة مع غياب الاستثمارات الحقيقية المنتجة الكفيلة بتنشيط السوق التجاري.
- تنتظر الجزائر من الشركاء الأوروبيين توسيع قاعدة استثماراتهم التي اقتصرت فقط على قطاع الطاقة نحو قطاعات أخرى، كسبيل لمساعدتها على تحقيق منطقة التبادل الحر في منطقة حوض المتوسط.
- الجزائر تسعى إلى تفادي حدوث وضعية تدفق تجاري في اتجاه واحد برفع الرسوم الجبائية والجمركية لحماية إنتاجها المحلي من اكتساح السلع المستوردة لسوقها الداخلي، أو بالإبقاء على أقل تقدير على مستوى الرسوم المطبقة حينها دون تخفيض بحجة الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد أمنيا واقتصاديا.
ب- بالنسبة للطرف الأوروبي :
- لم تكن هذه مسألة الرسوم الجبائية والجمركية تلقى قبولا من الطرف الأوروبي وأيضا لدى المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين، على أساس أن التخفيض الجبائي يضمن الشروط الأساسية لفتح الأبواب أمام التجارة الخارجية بصفة فعلية.
- أشار الطرف الأوروبي أن مسألة المشاريع الاستثمارية هي اختيار حر للمتعاملين الاقتصاديين الأوروبيين الذين يرغبون في الاستثمار بالجزائر.
- أوروبا تتمنى لو كانت للجزائر نسبة نمو مستقرة بين 5 % و 10 % خارج قطاع النفط والغاز، وهي إشارة إلى قصور الهيكل الإنتاجي وهزال القاعدة الصناعية بالجزائر الذي تؤكده حالة الانخفاض الدائمة في الطاقة الإنتاجية.
اختتمت هذه المرحلة بتدقيق وجهات النظر لكل طرف.
ثم توالت الجولات لاستكمال الملفات حول فتح المجال لتطبيق التعاون وتحديد ميادين تطبيق التعاون الجزائري الأوروبي والوسائل والكيفيات الخاصة في مجالات التعاون الصناعي والمالي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
تم إبرام عقد الاتفاق في أفريل 2002 بـ "فالنسيا" بـ اسبانيا، ثم تم التوقيع في مارس 2005 بـ الجزائر، ودخل حيز التنفيذ في 01/07/2005.
4- الأهداف المعلنة للاتفاق :
أهم النقاط التي أعلن عليها كأهداف يسعى كلا الجانبين إلى تحقيقها من خلال هذه الشراكة، تتمثل في :
- توفير الإطار الملائم للحوار السياسي بين الأطراف المعنية لتدعيم علاقتهم وتعاونهم في المجالات التي يعتبرونها ملائمة.
- تطوير المبادلات التجارية، وضمان تنمية العلاقات الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة.
- تحديد الشروط اللازمة لإضفاء التحرير التدريجي على عمليات تبادل السلع والخدمات وتنقل رؤوس الأموال.
- تشجيع التبادل على المستوى الإنمائي وتشجيع الاندماج المغاربي.
5- الأهداف غير المعلنة :
كما هو معلوم في جميع المفاوضات والاتفاقيات، أنه بالرغم من الأهداف التي يتم الإعلان عنها، يحتفظ كل طرف في بأهداف خفية يسعى من خلالها إلى الاستفادة أكثر من بنود الاتفاق تحقيقا لمصالحه الشخصية، وأهم ما يسعى إليه الجانب الجزائري والأوروبي ما يلي :
5-1- بالنسبة للطرف الجزائري: كانت تسعى الجزائر بكل الطرق إلى :
- تنمية قطاعاتها والنهوض باقتصادها وتجاوز آثار العشرية السوداء المدمرة.
- البحث عن نمو خارج قطاع المحروقات من خلال الاستثمارات الأوروبية.
5-2- بالنسبة للطرف الأوروبي: فقد كان يهدف إلى :
- مواجهة المنافسة الأمريكية واليابانية لاكتساب أسواق دول متوسطية تتميز اقتصاداتها بالميزة الاستهلاكية.
- توسيع السوق الأوروبية بما يسمح بتصريف المنتجات الأوروبية إلى أسواق عالمية جديدة خاصة إذا كانت متوسطية واقتصادياتها ضعيفة.
6- النتائج الفعلية المحققة من الاتفاق :
تكشف معطيات الواقع أن الاتفاق لا يزال بعيدا عن تحقيق أهدافه المعلنة، ومن أهم ما لوحظ بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ ما يلي :
6-1- المجال الاقتصادي والتجاري :
- إن التبادل التجاري الذي قد يبدو في صالح الجزائر إنما يتعلق بالكم والعدد، ولكنه من حيث النوعية والجودة يميل لكفة الاتحاد الأوروبي وذلك بسبب نظام المواصفات الصارم والشروط الأوروبية القاسية المطبقة على السلع المستوردة.
- ملاحظة استمرار حالة التردد الأوروبي في الاستثمار في القطاعات الإنتاجية في الجزائر والاكتفاء بعائدات التصدير للسوق الجزائرية.
- الجزائر لم تتمكن من توظيف كافة المزايا التي استفادت منها في إطار اتفاقية الشراكة ولم تستغلها بصورة جيدة.
- لم تستغل الجزائر الإعفاءات الواسعة لمنتجاتها والتسهيلات الممنوحة لها لدخول السوق الأوروبية، بسبب عدم مطابقة المنتج الجزائري للمواصفات الأوروبية.
- لم تتمكن الجزائر من استهلاك إلا نسبة متواضعة من "نظام الحصص ذات المزايا الخاصة" الذي يتعلق بعدد من المنتجات التي يمكن لها تصديرها دون رسوم، إذ استغلت 06 أصناف فقط من مجموع 41 صنفا، في حين تمكن الطرف الأوروبي من الاستفادة من معظم المنتجات والحصص المعفاة من الرسوم والتعريفات الجمركية.
6-2- المجال السياسي والأمني :
- ركزت أوروبا كثيرا على مسائل تخصها بالأساس مثل تداعيات تفاقم الهجرة السرية وانتشار شبكات الجريمة المنظمة، في حين اتجه اهتمام الجزائر إلى بناء أشكال التنسيق والتعاون الشامل خاصة في مكافحة الإرهاب وارتباطاته التي تمتد إلى الجريمة المنظمة، وهنا ترى الجزائر أن أوروبا لم تقدم الكثير لدول الجنوب عامة في مكافحة الإرهاب إلا بعد أن استشعرت الخطر على أراضيها.
6-3- المجال الطاقوي :
- دعت الجزائر إلى إعادة النظر في مذكرة التفاهم بين الطرفين حول مسألة الشراكة بينهما في مجال الطاقة وخاصة صادرات الغاز الطبيعي، فالجزائر التي تحتل المرتبة الثالثة في ترتيب الدول الممونة لأوروبا بالغاز الطبيعي تريد على هذا الأساس توسيع التعاون بين الطرفين ليشمل الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية والطاقة النووية.
الخاتمة :
مرت مفاوضات الشراكة الجزائرية الأوروبية بعدة جولات أهمها الجولتين الأولى والثانية، أين تم توضيح رؤى الطرفين حول القضية، ومن ثم الاتفاق على الخطوط العريضة لمختلف مجالات التعاون، إلى غاية توقيع العقد النهائي ودخوله حيز التنفيذ،.
لكن، وبعد مرور أكثر من 05 سنوات من دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ، هناك فشل في تحقيق ما رسمته الجزائر لنفسها من أهداف وهي رفع صادراتها نحو أوروبا من السلع والخدمات الخارجة عن قطاع النفط والغاز، وتشير الإحصائيات أنه في مقابل 1 دولار تصدره الجزائر نحو الاتحاد الأوروبي فإنها تستورد ما قيمته 20 دولار.
هنا تبدو مسؤولية الجانب الجزائري في عدم تحقيق تقدم على المستوى الاقتصادي والتجاري أكيدة، وأن عدم قدرتها على استغلال مزايا الاتفاق قائمة وواضحة، فهل كانت الجزائر حقا متسرعة حين رغبت في عقد اتفاق شراكة تعلم مقدما حدود إمكانياتها وقدراتها الذاتية فيه؟ أم أن الأمر يعود إلى عدة القدرة على رؤية تسابق دول الجوار المغاربي في تنمية علاقاتهم الدولية في المجالات الاقتصادية والتجارية.
مقدمة :
يعرف العالم تغيرات وتطورات سريعة في جميع المجالات أدت إلى ظهور منافسة حادة وقوية بين المؤسسات وحتى بين الدول، تجبرها على البحث الدائم عن الموارد التي تسمح لها بمواجهة هذه المنافسة. لكن الندرة النسبية في مجال الموارد من جهة، وضرورة الاستمرار من جهة أخرى، فرض على الدول بصورة أو بأخرى التعاون والتكامل فيما بينها على جميع الأصعدة.
أهم طرق التعاون السائدة في العالم هي اتفاقيات الشراكة، حيث تعرف هذه الأخيرة على أنها عقد أو اتفاق بين مشروعين أو أكثر قائم على التعاون فيما بين الشركاء، و يتعلق بنشاط إنتاجي أو خدمي أو تجاري، وعلى أساس ثابت و دائم وملكية مشتركة، وهذا التعاون لا يقتصر فقط على مساهمة كل منهم في رأس المال وإنما أيضا المساهمة الفنية الخاصة بعملية الإنتاج واستخدام الاختراع والعلاقات التجارية والمعرفة التكنولوجية؛ والمساهمة كذلك في كافة العمليات ومراحل الإنتاج والتسويق، وبالطبع سوف يتقاسم الطرفان المنافع والأرباح التي سوف تتحقق من هذا التعاون طبقا لمدى مساهمة كل منهما المالية والفنية.
الجزائر وكغيرها من الدول بحاجة إلى تعاون الدول الأخرى معها خصوصا بعد الظروف الاستثنائية التي مرت بها، وبعد توقيع كل من فلسطين والأردن وتونس والمغرب ومصر اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي جاء دور الجزائر.
سنحاول من خلال هذا العرض توضيح أهم النقاط المتعلقة بالقضية التفاوضية المتمثلة في مفاوضات الشراكة الجزائرية الأوروبية، مجيبين على التساؤل التالي :
" ما هي أهم الجوانب المتعلقة بمفاوضات الشراكة الجزائرية الأوروبية ؟"
1- أطراف التفاوض :
تتمثل الأطراف الجالسة على طاولة حوار واتفاق عقد الشراكة في : دول الاتحاد الأوروبي من جهة، والجزائر من جهة أخرى.
2- الظروف المحيطة بالتفاوض :
تتمثل أهم المعطيات التي دفعت بالطرفين الأوروبي والجزائري (على وجه الخصوص) إلى التفاوض حول الشراكة فيما يلي :
- تكريس الجزائر لأسس النظام الديمقراطي القائم على التعددية والاعتراف بالحقوق المدنية والسياسية الفردية والجماعية.
- إتمام احتكار الدولة الجزائرية للنشاط الاقتصادي والتجاري والمالي وفتح المجال واسعا أمام القطاع الخاص.
- انطلاق الدعوة في الجزائر إلى تشجيع الرأسمال الأجنبي على الاستثمار في مختلف القطاعات الإنتاجية.
- عدم امتلاك الجزائر لإمكانيات كافية لاستغلال الثروات الطبيعية كما ونوعا.
- وجود شراكة بين الاتحاد الأوروبي وكل من تونس والمغرب.
3- مراحل المفاوضات : أهم الجولات التي مرت بها هذه المفاوضات هي :
3-1- الجولة الأولى : 04 و 05 مارس 1997م بـ بروكسل.
عرفت هذه الجولة تباينا كبيرا في الآراء بين الجانبين الجزائري والأوروبي في عدة مجالات، وتمثل هذا التباين في :
أ- المحور السياسي والأمني :
- حسب التصور الجزائري ارتكز هذا المحور على تكريس مبدأ التشاور، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب.
- بينما شدد الجانب الأوروبي على احترام مبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
ب- المحور الاقتصادي :
- رفض الجزائر للربط بين إلزامية النمو الاقتصادي وبين إنشاء منطقة للتبادل الحر، وذلك حتى تضمن تحقيق التوازن في المبادلات التجارية.
- بينما الجانب الأوروبي كان يرى حتمية الإسراع أولا في الإصلاحات الاقتصادية وفي مقدمتها إتمام إعادة هيكلة المؤسسات، واستكمال مسار عملية الخصخصة بالجزائر.
ج- المحور الاجتماعي :
- حسب التصور الجزائري تضمن وضعية اليد العاملة الجزائرية في أوروبا، والتمسك بضرورة ضمان حقوق أفراد الجالية الجزائرية وحفظ كرامتها.
- بينما عند الجانب الأوروبي، تمثلت الهجرة غير الشرعية نقطة أساسية ينبغي حسمها نظرا لما قد ينطوي على تفاقمها من مخاطر.
انتهت هذه الجولة بالنتائج التالية :
- الاتفاق حول أهداف ومبادئ الحوار السياسي، من خلال الإعلان عن تطابق وجهات النظر فيما يخص مسائل حقوق الإنسان والديمقراطية وضمان الأمن والسلم والاستقرار.
- تسجيل انشغال الطرف الجزائري لعدم ورود أحكام في مجال مكافحة الإرهاب، كانت الجزائر تعتبرها ضرورية وعناصر أساسية لضمان استقرار المنطقة.
- بقي الجانب الاقتصادي والمالي دون تحديد لخطوطه العريضة لاختلاف وجهتي نظر الطرفين، بين مسعى أوروبي داع إلى إنشاء منطقة تبادل حر، ورفض جزائري لكونه يعكس منطقا اندماجيا.
- أمل الجزائر في أن تكون هناك شراكة بالتنمية، وأن تتغير نظرة الدول في الاتحاد الأوروبي للجزائر كونها مجرد "سوق".
- انشغال الطرف الجزائري بخصوص محاولة تقييد حرية تنقل الأشخاص بما يتنافى مع الأهداف التي تم تحديدها في مجال تنقل البضائع والخدمات.
- علقت في نهاية هذه الجولة عقبات تتعلق بمسألة فتح الحدود أمام تدفق السلع الأوروبية وإزالة التعريفات الجمركية، وهي مسائل لا تراها الجزائر ممكنة قبل أن تتمكن هي أولا من تدعيم القيمة التنافسية لمنتجاتها.
نقاط قوة الموقف الجزائري :
الجانب الجيوستراتيجي وثروات الطاقة التي أصبحت تسد الجزء الأكبر من احتياجات أوروبا بعد تدشين أنبوب الغاز الجزائري- الأوروبي.
3-2- الجولة الثانية : 22 و23 أفريل 1997 بـ مالطا.
اتسمت أجواء الانطلاقة بالحذر من كلا الطرفين حول بعض النقاط الأساسية التي بقت شائكة للتوصل إلى اتفاق نهائي حول الشراكة، وأبرز هذه النقاط :
أ- بالنسبة للجزائر :
- مسألة التخفيض الجبائي والجمركي في الجزائر، فمن الجانب الجزائري يمثل رفع الرسوم الجبائية أهم ضمانة لحاجيات الخزينة العمومية، خاصة مع غياب الاستثمارات الحقيقية المنتجة الكفيلة بتنشيط السوق التجاري.
- تنتظر الجزائر من الشركاء الأوروبيين توسيع قاعدة استثماراتهم التي اقتصرت فقط على قطاع الطاقة نحو قطاعات أخرى، كسبيل لمساعدتها على تحقيق منطقة التبادل الحر في منطقة حوض المتوسط.
- الجزائر تسعى إلى تفادي حدوث وضعية تدفق تجاري في اتجاه واحد برفع الرسوم الجبائية والجمركية لحماية إنتاجها المحلي من اكتساح السلع المستوردة لسوقها الداخلي، أو بالإبقاء على أقل تقدير على مستوى الرسوم المطبقة حينها دون تخفيض بحجة الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد أمنيا واقتصاديا.
ب- بالنسبة للطرف الأوروبي :
- لم تكن هذه مسألة الرسوم الجبائية والجمركية تلقى قبولا من الطرف الأوروبي وأيضا لدى المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين، على أساس أن التخفيض الجبائي يضمن الشروط الأساسية لفتح الأبواب أمام التجارة الخارجية بصفة فعلية.
- أشار الطرف الأوروبي أن مسألة المشاريع الاستثمارية هي اختيار حر للمتعاملين الاقتصاديين الأوروبيين الذين يرغبون في الاستثمار بالجزائر.
- أوروبا تتمنى لو كانت للجزائر نسبة نمو مستقرة بين 5 % و 10 % خارج قطاع النفط والغاز، وهي إشارة إلى قصور الهيكل الإنتاجي وهزال القاعدة الصناعية بالجزائر الذي تؤكده حالة الانخفاض الدائمة في الطاقة الإنتاجية.
اختتمت هذه المرحلة بتدقيق وجهات النظر لكل طرف.
ثم توالت الجولات لاستكمال الملفات حول فتح المجال لتطبيق التعاون وتحديد ميادين تطبيق التعاون الجزائري الأوروبي والوسائل والكيفيات الخاصة في مجالات التعاون الصناعي والمالي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
تم إبرام عقد الاتفاق في أفريل 2002 بـ "فالنسيا" بـ اسبانيا، ثم تم التوقيع في مارس 2005 بـ الجزائر، ودخل حيز التنفيذ في 01/07/2005.
4- الأهداف المعلنة للاتفاق :
أهم النقاط التي أعلن عليها كأهداف يسعى كلا الجانبين إلى تحقيقها من خلال هذه الشراكة، تتمثل في :
- توفير الإطار الملائم للحوار السياسي بين الأطراف المعنية لتدعيم علاقتهم وتعاونهم في المجالات التي يعتبرونها ملائمة.
- تطوير المبادلات التجارية، وضمان تنمية العلاقات الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة.
- تحديد الشروط اللازمة لإضفاء التحرير التدريجي على عمليات تبادل السلع والخدمات وتنقل رؤوس الأموال.
- تشجيع التبادل على المستوى الإنمائي وتشجيع الاندماج المغاربي.
5- الأهداف غير المعلنة :
كما هو معلوم في جميع المفاوضات والاتفاقيات، أنه بالرغم من الأهداف التي يتم الإعلان عنها، يحتفظ كل طرف في بأهداف خفية يسعى من خلالها إلى الاستفادة أكثر من بنود الاتفاق تحقيقا لمصالحه الشخصية، وأهم ما يسعى إليه الجانب الجزائري والأوروبي ما يلي :
5-1- بالنسبة للطرف الجزائري: كانت تسعى الجزائر بكل الطرق إلى :
- تنمية قطاعاتها والنهوض باقتصادها وتجاوز آثار العشرية السوداء المدمرة.
- البحث عن نمو خارج قطاع المحروقات من خلال الاستثمارات الأوروبية.
5-2- بالنسبة للطرف الأوروبي: فقد كان يهدف إلى :
- مواجهة المنافسة الأمريكية واليابانية لاكتساب أسواق دول متوسطية تتميز اقتصاداتها بالميزة الاستهلاكية.
- توسيع السوق الأوروبية بما يسمح بتصريف المنتجات الأوروبية إلى أسواق عالمية جديدة خاصة إذا كانت متوسطية واقتصادياتها ضعيفة.
6- النتائج الفعلية المحققة من الاتفاق :
تكشف معطيات الواقع أن الاتفاق لا يزال بعيدا عن تحقيق أهدافه المعلنة، ومن أهم ما لوحظ بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ ما يلي :
6-1- المجال الاقتصادي والتجاري :
- إن التبادل التجاري الذي قد يبدو في صالح الجزائر إنما يتعلق بالكم والعدد، ولكنه من حيث النوعية والجودة يميل لكفة الاتحاد الأوروبي وذلك بسبب نظام المواصفات الصارم والشروط الأوروبية القاسية المطبقة على السلع المستوردة.
- ملاحظة استمرار حالة التردد الأوروبي في الاستثمار في القطاعات الإنتاجية في الجزائر والاكتفاء بعائدات التصدير للسوق الجزائرية.
- الجزائر لم تتمكن من توظيف كافة المزايا التي استفادت منها في إطار اتفاقية الشراكة ولم تستغلها بصورة جيدة.
- لم تستغل الجزائر الإعفاءات الواسعة لمنتجاتها والتسهيلات الممنوحة لها لدخول السوق الأوروبية، بسبب عدم مطابقة المنتج الجزائري للمواصفات الأوروبية.
- لم تتمكن الجزائر من استهلاك إلا نسبة متواضعة من "نظام الحصص ذات المزايا الخاصة" الذي يتعلق بعدد من المنتجات التي يمكن لها تصديرها دون رسوم، إذ استغلت 06 أصناف فقط من مجموع 41 صنفا، في حين تمكن الطرف الأوروبي من الاستفادة من معظم المنتجات والحصص المعفاة من الرسوم والتعريفات الجمركية.
6-2- المجال السياسي والأمني :
- ركزت أوروبا كثيرا على مسائل تخصها بالأساس مثل تداعيات تفاقم الهجرة السرية وانتشار شبكات الجريمة المنظمة، في حين اتجه اهتمام الجزائر إلى بناء أشكال التنسيق والتعاون الشامل خاصة في مكافحة الإرهاب وارتباطاته التي تمتد إلى الجريمة المنظمة، وهنا ترى الجزائر أن أوروبا لم تقدم الكثير لدول الجنوب عامة في مكافحة الإرهاب إلا بعد أن استشعرت الخطر على أراضيها.
6-3- المجال الطاقوي :
- دعت الجزائر إلى إعادة النظر في مذكرة التفاهم بين الطرفين حول مسألة الشراكة بينهما في مجال الطاقة وخاصة صادرات الغاز الطبيعي، فالجزائر التي تحتل المرتبة الثالثة في ترتيب الدول الممونة لأوروبا بالغاز الطبيعي تريد على هذا الأساس توسيع التعاون بين الطرفين ليشمل الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية والطاقة النووية.
الخاتمة :
مرت مفاوضات الشراكة الجزائرية الأوروبية بعدة جولات أهمها الجولتين الأولى والثانية، أين تم توضيح رؤى الطرفين حول القضية، ومن ثم الاتفاق على الخطوط العريضة لمختلف مجالات التعاون، إلى غاية توقيع العقد النهائي ودخوله حيز التنفيذ،.
لكن، وبعد مرور أكثر من 05 سنوات من دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ، هناك فشل في تحقيق ما رسمته الجزائر لنفسها من أهداف وهي رفع صادراتها نحو أوروبا من السلع والخدمات الخارجة عن قطاع النفط والغاز، وتشير الإحصائيات أنه في مقابل 1 دولار تصدره الجزائر نحو الاتحاد الأوروبي فإنها تستورد ما قيمته 20 دولار.
هنا تبدو مسؤولية الجانب الجزائري في عدم تحقيق تقدم على المستوى الاقتصادي والتجاري أكيدة، وأن عدم قدرتها على استغلال مزايا الاتفاق قائمة وواضحة، فهل كانت الجزائر حقا متسرعة حين رغبت في عقد اتفاق شراكة تعلم مقدما حدود إمكانياتها وقدراتها الذاتية فيه؟ أم أن الأمر يعود إلى عدة القدرة على رؤية تسابق دول الجوار المغاربي في تنمية علاقاتهم الدولية في المجالات الاقتصادية والتجارية.
الأحد 10 سبتمبر 2017, 12:57 من طرف kamelm
» مطابخ عصرية ومبتكرة من مؤسسة البيالي
الأحد 05 مارس 2017, 16:21 من طرف kamelm
» الامتحانات النهائية
السبت 04 مارس 2017, 07:42 من طرف محمد شهاب2008
» مواضبع امتحان اللغة الانجليزية مع الحلول
الجمعة 10 فبراير 2017, 17:40 من طرف المدير الشرفي للمنتدى
» مواضيع امتحان لعة فرنسية مع الحلول
الجمعة 10 فبراير 2017, 17:31 من طرف المدير الشرفي للمنتدى
» شركة نقل عفش بالمدينة المنورة 0556845966
الخميس 09 فبراير 2017, 21:25 من طرف kamelm
» صور مشبات ابو لؤي
الخميس 09 فبراير 2017, 18:30 من طرف kamelm
» 150 ملف حول الإدارة الشاملة
السبت 28 يناير 2017, 10:31 من طرف المدير الشرفي للمنتدى
» 150 ملف حول إدراة الموارد البشرية
السبت 28 يناير 2017, 10:31 من طرف المدير الشرفي للمنتدى