الرِّبا والانهزام الحضاري
حارب الإسلام الربا حرباً لا هوادة فيها، ويكفي في ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}( ).
فلم يتوعد الله تعالى أحداً بالحرب إلا المرابين وأهل الربا والمتعاملين به، كما لعن رسول الله @ كل من شارك في هذه الكبيرة فقد لعن آكل الربا ومن يؤكله وكاتب العقد والشاهدين، كما في الحديث الذي أخرجه مسلم. ولعل السرّ في التوعد بالحرب واللعن أن الربا لا يقتصر أثره على المتعاملين به فحسب، وإنما يمتد ليشمل المجتمع والناس بل العالم أيضاً. كما هو مشاهد الآن ولا يحتاج إلى أدنى تدليل أو برهان. ويكفي ذكر ديون العالم الثالث التي تتضاعف سنة بعد أخرى فتعجز عن تسديد فوائد الديون المتراكمة ودعك من أداء أصولها. فلا يكون أمامها إلا الاستدانة لأداء الديون القديمة، وهكذا تقع هذه الدول في دائرة الاقتراض الجهنمية التي لا تستطيع منها فكاكاً وهروباً.
وفي الفقه الإسلامي قام الفقهاء بدورهم الحيوي في بيان المعاملات التي يصدق عليها أن تكون من الربا، ولم يكتفوا بذلك فحسب وإنما بينوا كذلك الحيل الربوية التي ظاهرها الصحة لكن الهدف من ورائها هو التوصل إلى الربا، وأخضعوا المعاملات المالية لقاعدة "كل قرض جرّ نفعاً فهو رباً" والتي كانت دائرة على ألسنة الصحابة رضوان الله عليهم. وظل الفقهاء على هذا الجهد المبارك حتى جاء الاستعمار الأجنبي إلى بلاد المسلمين وأحدث فيها تغييراً كبيراً في شتى جوانب الحياة، ومنها الجانب الاقتصادي وما فيه من بنوك ربوية وأسواق مالية تموّل البنوك المتعاملين في هذه الأسواق بقروض ربوية.
ووجد المسلمون أن عصب التجارة الخارجية بل وبعض مناحي التجارة والمعاملات الداخلية لا تكاد تستغنى عن البنوك، كما أن هذه البنوك أصبح يعمل فيها بعض المسلمين الذين ظلوا في ازدياد حتى أصبحت نسبة التوظيف مائة في المائة في معظم هذه البنوك. فكان المسلمون يسألون العلماء عن حكم التعامل مع هذه البنوك وحكم الأموال فيها أو الاقتراض منها أو العمل فيها.
وهذه الأسئلة أصبحت متجددة ومتكررة لأن تعاملات بعض المسلمين مع هذه البنوك يومية أو شبه يومية، ومن لا يتعامل معها على هذا النحو فإنه قد يضطر في بعض الأحيان إلى التعامل معها ولو مرّة في العمر. كان هذا في الماضي، أما الآن فقد تغير الحال كلياً وتعاظم تعامل المسلمين مع البنوك.
والذي يهمنا في هذا المقام أن العلماء وقفوا أمام هذه النازلة فريقين: الفريق الأول: وهم العلماء كلهم إلا القليل جداً، رأوْا أن هذه البنوك بنوك ربوية تتعامل بربا الجاهلية الذي حرمه القرآن الكريم وتوعد عليه أشد الوعيد. والفريق الآخر وهم قلة قليلة من العلماء الذين حاولوا أن يكيفوا الواقع ويلبسوه لباساً إسلامياً فذهبوا إلى أن تعاملات هذه البنوك تتوافق في الجملة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وقد وُجد هذا الفريق منذ بداية القرن العشرين الميلادي إلى الآن. ويمكن ذكر حججهم فيما يلي على وجه الإجمال:
1- أن المعاملات التي تجريها هذه البنوك معاملات جديدة لم تكن معروفة قديماً، ومن ثم تكون حلالاًُ، وخاصة أن جانب التراضي متوافر بينها وبين المتعاملين معها. ومن ثم لا ربا فيها، لأن الأصل في المعاملات الحلّ والإباحة.
2- أن الحرام هو أن تكون الفائدة أضعافاً مضاعفة، أما ما عدا ذلك فهو حلال، بدليل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}( )، وبما أن معظم فوائد البنوك ليست من الأضعاف المضاعفة فإنها تكون حلالاً غير ممنوعة.
3- أن المحرم هو ما كان قرضاً بسبب الحاجة إلى الطعام وغيره من متطلبات الحياة "القرض الاستهلاكي"، أما إذا كان قرضاً إنتاجياً فإنه لا يكون حراماً، لأنه ليس فيه استغلال وظلم كما في القرض الاستهلاكي. لأنه يستخدم في المشروعات المنتجة، فلا مانع إذن من أن يستفيد المقرض كما يستفيد المقترض.
4- أن مدار المعاملات المالية على مصلحة الناس، لأنه حيثما وجدت المصلحة فإنه يوجد شرع الله. وما دامت هذه البنوك تحقق المصلحة لكل الأطراف، البنك والمقرض من ناحية، والبنك والمقترض من ناحية أخرى، فما المانع من حلِّها وإباحتها؟
5- أن الفائدة التي تأخذها البنوك على القروض إنما هو ما يعادل نسبة الانخفاض في قيمة النقود الورقية أو ما يعرف بالتضخم، وخاصة بعد فك الارتباط بين هذه النقود الورقية والغطاء الذهبي. ومن أسوأ خصائص هذه الورقة أنها في انخفاض وتدنِ من سنة إلى أخرى.
6- أن البنوك تتعامل بالورق النقدي وليس بنقود الذهب والفضة كما كان الحال في الماضي، وما دام الأمر كذلك فإنه لا يكون هناك ربا في تعاملاتها اعتماداً على ما هو في المذهب الشافعي من إنه لو راجت الفلوس رواج النقدين (الذهب والفضة) فلا ربا فيها.
وغير ذلك من التبريرات والتعليلات التي تتلاقى في النهاية إلى إباحة معاملات هذه البنوك الربوية.
لكن الأشدّ من هذا أنْ استغلت المناصب الدينية الرسمية في هذا التبرير، وذلك التسويغ فأصبح في بعض البلاد الإسلامية أنه من يتولَّى منصب الإفتاء فإنه لا يفتي في مسائل البنوك باعتبار أنه قد صدرت فتوى بإباحتها قبل ذلك، فلا يفتي فيما أُفتى فيه قبل ذلك.
وكان هذا في رأيي هو الذروة التي تعبر عن أن الانهزام الحضاري قد طال أهل العلم ومن ينتسبون إليه، أعني أن تستغل المناصب الرسمية في تبرير الربا وتسويغه، بل في بعض الأحيان لا يولى هذه المناصب إلا بعد معرفة رأي المرشح لها في عدة قضايا منها البنوك.
إن إقحام ذوي المناصب الدينية الرسمية كالإفتاء ونحو ذلك في تسويغ الربا، واستجابتهم لذلك لأمر يدل على أن الانهزام الحضاري لم يقتصر على النخب الحاكمة فحسب وإنما امتد أيضاً ليشمل أهل العلم الذين من المفترض أن يكونوا في طليعة الأمة التي ترفض ذلك الانهزام الحضاري والذوبان والانسحاق في الأمم القوية الغالبة المنتصرة، والدعوة إلى البدائل الإسلامية التي تحفظ على أمتنا تميزها ومبادئها وكونها أمة ربانية تفعل ما أمر الله وتنتهي عمّا نهى الله عنه.
إننا نخشى أن نقع فيما وقعت فيه الكنيسة الأوروبية التي كانت تحرم الربا، لأن الإنجيل يحرمه، ثم بعد ذلك فرقت بين أمرين: الإقراض بفائدة بسيطة وهذا أمر قد أباحته، أما الإقراض بفائدة فاحشة فيظلّ على التحريم والمنع، ثم انتهى بها الأمر إلى إباحة الربا كله بسيطه وفاحشه.
إنني أرى أن تسويق البنوك الربوية بين جموع المسلمين على أنها تؤدي دوراً اقتصادياً مهماً فلا يمكن أن يستغنى عنها، والتركيز على هذه النقطة وإغفال أنها تقوم على الربا، بما له من الأضرار الجسام، وعدم المناداة بالالتفات إلى البديل الذي يقدمه الفكر المصرفي الإسلامي: أرى كل ذلك إمعاناً في الانهزام الحضاري الذي تمكن من العقول والأفئدة والأفهام: وأبني رأيي على ما يلي:
1- البنوك الإسلامية –والحمد لله- أصبح لها كيان واضح معروف بين الناس وأصبحت لها رصيد من التجارب والخبرات تستطيع به أن تنافس البنوك التقليدية، وأصبح لبعضها من الأداء الاقتصادي ما يعادل –إن لم يفق- الأداء الاقتصادي لكثير من البنوك التقليدية.
2- ومما يزيد من نجاح البديل الإسلامي تحول بعض البنوك التقليدية إلى بنوك إسلامية، كما قام قطاع عريض من هذه البنوك التقليدية بفتح فروع للمعاملات المالية الإسلامية.
3- ومما يؤكد نجاح هذا البديل، قيام بعض البنوك العالمية ذات الشهرة الكبيرة في المجال المصرفي العالمي، قيامها بطرح منتجات مصرفية إسلامية، وتعيين هيئة شرعية للمراقبة على هذه المنتجات، وذلك مثل قيام بنك HSBC بالإقبال على التعامل مع تلك المنتجات.
كل هذا يؤكد أن البديل الإسلامي للبنوك الربوية موجود وقائم وأنه ذو كفاءة تماثل كفاءة النظام التقليدي إن لم تكن تزيد، وأنه لو فتح لهذا البديل الباب على مصراعيه دون عوائق كما هو الحال مع البنوك التقليدية لتمكن من تحقيق أفضل النتائج وأحسن الثمار، ويثبت أن الانهزام الحضاري حالة طارئة يمكن الخروج منها والتحرر من ربقتها بالإيمان بقيم الإسلام والتحلي بما ينادي به من عزيمة ومثابرة وإتقان. ومن ثم يكون من ينتسب إلى أهل العلم وما زال مصمماً على إباحة البنوك الربوية ومحاولة البحث لها عن لباس وتخريج شرعيين، أرى أنه ما زال يعيش في مرحلة الانهزام الحضاري التي تجاوزتها الصحوة الإسلامية منذ زمن ليس بالقليل، وقام كثير من العلماء الربانيين الصادقين بالتحذير والتنفير منه، كما قاموا بالدعوة إلى البحت عن البدائل الحضارية التي تقدمها الشريعة الإسلامية، ومن العجيب أنه في بلد مثل مصر اعترف الجهاز المصرفي الحكومي بوجود تميز بين النظام المصرفي الإسلامي والنظام المصرفي التقليدي، فأنشأ البنك المركزي المصري وحدة فيه لمراقبة نشاط البنوك الإسلامية والإشراف عليها.
فهل هذا بداية لأن يخرج التفكير الاقتصادي العربي من مرحلة الانهزام الحضاري، ويكون سابقاً لبعض من ينتسبون لأهل العلم الذين مازالوا يعيشون فيها ويدعون غيرهم إلى المكوث فيها وعدم مغادرتها، مع أن من المفروض ألا يكونوا وقعوا فيها فضلاً عن دعوة غيرهم إليها؟.
ابحاث جامعه نجران وللمزيد من التفاصيل والابحاث الدخول الى رابط الجامعه
http://www.nu.edu.sa/web/scientific-researches/department-of-sharia
حارب الإسلام الربا حرباً لا هوادة فيها، ويكفي في ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}( ).
فلم يتوعد الله تعالى أحداً بالحرب إلا المرابين وأهل الربا والمتعاملين به، كما لعن رسول الله @ كل من شارك في هذه الكبيرة فقد لعن آكل الربا ومن يؤكله وكاتب العقد والشاهدين، كما في الحديث الذي أخرجه مسلم. ولعل السرّ في التوعد بالحرب واللعن أن الربا لا يقتصر أثره على المتعاملين به فحسب، وإنما يمتد ليشمل المجتمع والناس بل العالم أيضاً. كما هو مشاهد الآن ولا يحتاج إلى أدنى تدليل أو برهان. ويكفي ذكر ديون العالم الثالث التي تتضاعف سنة بعد أخرى فتعجز عن تسديد فوائد الديون المتراكمة ودعك من أداء أصولها. فلا يكون أمامها إلا الاستدانة لأداء الديون القديمة، وهكذا تقع هذه الدول في دائرة الاقتراض الجهنمية التي لا تستطيع منها فكاكاً وهروباً.
وفي الفقه الإسلامي قام الفقهاء بدورهم الحيوي في بيان المعاملات التي يصدق عليها أن تكون من الربا، ولم يكتفوا بذلك فحسب وإنما بينوا كذلك الحيل الربوية التي ظاهرها الصحة لكن الهدف من ورائها هو التوصل إلى الربا، وأخضعوا المعاملات المالية لقاعدة "كل قرض جرّ نفعاً فهو رباً" والتي كانت دائرة على ألسنة الصحابة رضوان الله عليهم. وظل الفقهاء على هذا الجهد المبارك حتى جاء الاستعمار الأجنبي إلى بلاد المسلمين وأحدث فيها تغييراً كبيراً في شتى جوانب الحياة، ومنها الجانب الاقتصادي وما فيه من بنوك ربوية وأسواق مالية تموّل البنوك المتعاملين في هذه الأسواق بقروض ربوية.
ووجد المسلمون أن عصب التجارة الخارجية بل وبعض مناحي التجارة والمعاملات الداخلية لا تكاد تستغنى عن البنوك، كما أن هذه البنوك أصبح يعمل فيها بعض المسلمين الذين ظلوا في ازدياد حتى أصبحت نسبة التوظيف مائة في المائة في معظم هذه البنوك. فكان المسلمون يسألون العلماء عن حكم التعامل مع هذه البنوك وحكم الأموال فيها أو الاقتراض منها أو العمل فيها.
وهذه الأسئلة أصبحت متجددة ومتكررة لأن تعاملات بعض المسلمين مع هذه البنوك يومية أو شبه يومية، ومن لا يتعامل معها على هذا النحو فإنه قد يضطر في بعض الأحيان إلى التعامل معها ولو مرّة في العمر. كان هذا في الماضي، أما الآن فقد تغير الحال كلياً وتعاظم تعامل المسلمين مع البنوك.
والذي يهمنا في هذا المقام أن العلماء وقفوا أمام هذه النازلة فريقين: الفريق الأول: وهم العلماء كلهم إلا القليل جداً، رأوْا أن هذه البنوك بنوك ربوية تتعامل بربا الجاهلية الذي حرمه القرآن الكريم وتوعد عليه أشد الوعيد. والفريق الآخر وهم قلة قليلة من العلماء الذين حاولوا أن يكيفوا الواقع ويلبسوه لباساً إسلامياً فذهبوا إلى أن تعاملات هذه البنوك تتوافق في الجملة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وقد وُجد هذا الفريق منذ بداية القرن العشرين الميلادي إلى الآن. ويمكن ذكر حججهم فيما يلي على وجه الإجمال:
1- أن المعاملات التي تجريها هذه البنوك معاملات جديدة لم تكن معروفة قديماً، ومن ثم تكون حلالاًُ، وخاصة أن جانب التراضي متوافر بينها وبين المتعاملين معها. ومن ثم لا ربا فيها، لأن الأصل في المعاملات الحلّ والإباحة.
2- أن الحرام هو أن تكون الفائدة أضعافاً مضاعفة، أما ما عدا ذلك فهو حلال، بدليل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}( )، وبما أن معظم فوائد البنوك ليست من الأضعاف المضاعفة فإنها تكون حلالاً غير ممنوعة.
3- أن المحرم هو ما كان قرضاً بسبب الحاجة إلى الطعام وغيره من متطلبات الحياة "القرض الاستهلاكي"، أما إذا كان قرضاً إنتاجياً فإنه لا يكون حراماً، لأنه ليس فيه استغلال وظلم كما في القرض الاستهلاكي. لأنه يستخدم في المشروعات المنتجة، فلا مانع إذن من أن يستفيد المقرض كما يستفيد المقترض.
4- أن مدار المعاملات المالية على مصلحة الناس، لأنه حيثما وجدت المصلحة فإنه يوجد شرع الله. وما دامت هذه البنوك تحقق المصلحة لكل الأطراف، البنك والمقرض من ناحية، والبنك والمقترض من ناحية أخرى، فما المانع من حلِّها وإباحتها؟
5- أن الفائدة التي تأخذها البنوك على القروض إنما هو ما يعادل نسبة الانخفاض في قيمة النقود الورقية أو ما يعرف بالتضخم، وخاصة بعد فك الارتباط بين هذه النقود الورقية والغطاء الذهبي. ومن أسوأ خصائص هذه الورقة أنها في انخفاض وتدنِ من سنة إلى أخرى.
6- أن البنوك تتعامل بالورق النقدي وليس بنقود الذهب والفضة كما كان الحال في الماضي، وما دام الأمر كذلك فإنه لا يكون هناك ربا في تعاملاتها اعتماداً على ما هو في المذهب الشافعي من إنه لو راجت الفلوس رواج النقدين (الذهب والفضة) فلا ربا فيها.
وغير ذلك من التبريرات والتعليلات التي تتلاقى في النهاية إلى إباحة معاملات هذه البنوك الربوية.
لكن الأشدّ من هذا أنْ استغلت المناصب الدينية الرسمية في هذا التبرير، وذلك التسويغ فأصبح في بعض البلاد الإسلامية أنه من يتولَّى منصب الإفتاء فإنه لا يفتي في مسائل البنوك باعتبار أنه قد صدرت فتوى بإباحتها قبل ذلك، فلا يفتي فيما أُفتى فيه قبل ذلك.
وكان هذا في رأيي هو الذروة التي تعبر عن أن الانهزام الحضاري قد طال أهل العلم ومن ينتسبون إليه، أعني أن تستغل المناصب الرسمية في تبرير الربا وتسويغه، بل في بعض الأحيان لا يولى هذه المناصب إلا بعد معرفة رأي المرشح لها في عدة قضايا منها البنوك.
إن إقحام ذوي المناصب الدينية الرسمية كالإفتاء ونحو ذلك في تسويغ الربا، واستجابتهم لذلك لأمر يدل على أن الانهزام الحضاري لم يقتصر على النخب الحاكمة فحسب وإنما امتد أيضاً ليشمل أهل العلم الذين من المفترض أن يكونوا في طليعة الأمة التي ترفض ذلك الانهزام الحضاري والذوبان والانسحاق في الأمم القوية الغالبة المنتصرة، والدعوة إلى البدائل الإسلامية التي تحفظ على أمتنا تميزها ومبادئها وكونها أمة ربانية تفعل ما أمر الله وتنتهي عمّا نهى الله عنه.
إننا نخشى أن نقع فيما وقعت فيه الكنيسة الأوروبية التي كانت تحرم الربا، لأن الإنجيل يحرمه، ثم بعد ذلك فرقت بين أمرين: الإقراض بفائدة بسيطة وهذا أمر قد أباحته، أما الإقراض بفائدة فاحشة فيظلّ على التحريم والمنع، ثم انتهى بها الأمر إلى إباحة الربا كله بسيطه وفاحشه.
إنني أرى أن تسويق البنوك الربوية بين جموع المسلمين على أنها تؤدي دوراً اقتصادياً مهماً فلا يمكن أن يستغنى عنها، والتركيز على هذه النقطة وإغفال أنها تقوم على الربا، بما له من الأضرار الجسام، وعدم المناداة بالالتفات إلى البديل الذي يقدمه الفكر المصرفي الإسلامي: أرى كل ذلك إمعاناً في الانهزام الحضاري الذي تمكن من العقول والأفئدة والأفهام: وأبني رأيي على ما يلي:
1- البنوك الإسلامية –والحمد لله- أصبح لها كيان واضح معروف بين الناس وأصبحت لها رصيد من التجارب والخبرات تستطيع به أن تنافس البنوك التقليدية، وأصبح لبعضها من الأداء الاقتصادي ما يعادل –إن لم يفق- الأداء الاقتصادي لكثير من البنوك التقليدية.
2- ومما يزيد من نجاح البديل الإسلامي تحول بعض البنوك التقليدية إلى بنوك إسلامية، كما قام قطاع عريض من هذه البنوك التقليدية بفتح فروع للمعاملات المالية الإسلامية.
3- ومما يؤكد نجاح هذا البديل، قيام بعض البنوك العالمية ذات الشهرة الكبيرة في المجال المصرفي العالمي، قيامها بطرح منتجات مصرفية إسلامية، وتعيين هيئة شرعية للمراقبة على هذه المنتجات، وذلك مثل قيام بنك HSBC بالإقبال على التعامل مع تلك المنتجات.
كل هذا يؤكد أن البديل الإسلامي للبنوك الربوية موجود وقائم وأنه ذو كفاءة تماثل كفاءة النظام التقليدي إن لم تكن تزيد، وأنه لو فتح لهذا البديل الباب على مصراعيه دون عوائق كما هو الحال مع البنوك التقليدية لتمكن من تحقيق أفضل النتائج وأحسن الثمار، ويثبت أن الانهزام الحضاري حالة طارئة يمكن الخروج منها والتحرر من ربقتها بالإيمان بقيم الإسلام والتحلي بما ينادي به من عزيمة ومثابرة وإتقان. ومن ثم يكون من ينتسب إلى أهل العلم وما زال مصمماً على إباحة البنوك الربوية ومحاولة البحث لها عن لباس وتخريج شرعيين، أرى أنه ما زال يعيش في مرحلة الانهزام الحضاري التي تجاوزتها الصحوة الإسلامية منذ زمن ليس بالقليل، وقام كثير من العلماء الربانيين الصادقين بالتحذير والتنفير منه، كما قاموا بالدعوة إلى البحت عن البدائل الحضارية التي تقدمها الشريعة الإسلامية، ومن العجيب أنه في بلد مثل مصر اعترف الجهاز المصرفي الحكومي بوجود تميز بين النظام المصرفي الإسلامي والنظام المصرفي التقليدي، فأنشأ البنك المركزي المصري وحدة فيه لمراقبة نشاط البنوك الإسلامية والإشراف عليها.
فهل هذا بداية لأن يخرج التفكير الاقتصادي العربي من مرحلة الانهزام الحضاري، ويكون سابقاً لبعض من ينتسبون لأهل العلم الذين مازالوا يعيشون فيها ويدعون غيرهم إلى المكوث فيها وعدم مغادرتها، مع أن من المفروض ألا يكونوا وقعوا فيها فضلاً عن دعوة غيرهم إليها؟.
ابحاث جامعه نجران وللمزيد من التفاصيل والابحاث الدخول الى رابط الجامعه
http://www.nu.edu.sa/web/scientific-researches/department-of-sharia
الأحد 10 سبتمبر 2017, 12:57 من طرف kamelm
» مطابخ عصرية ومبتكرة من مؤسسة البيالي
الأحد 05 مارس 2017, 16:21 من طرف kamelm
» الامتحانات النهائية
السبت 04 مارس 2017, 07:42 من طرف محمد شهاب2008
» مواضبع امتحان اللغة الانجليزية مع الحلول
الجمعة 10 فبراير 2017, 17:40 من طرف المدير الشرفي للمنتدى
» مواضيع امتحان لعة فرنسية مع الحلول
الجمعة 10 فبراير 2017, 17:31 من طرف المدير الشرفي للمنتدى
» شركة نقل عفش بالمدينة المنورة 0556845966
الخميس 09 فبراير 2017, 21:25 من طرف kamelm
» صور مشبات ابو لؤي
الخميس 09 فبراير 2017, 18:30 من طرف kamelm
» 150 ملف حول الإدارة الشاملة
السبت 28 يناير 2017, 10:31 من طرف المدير الشرفي للمنتدى
» 150 ملف حول إدراة الموارد البشرية
السبت 28 يناير 2017, 10:31 من طرف المدير الشرفي للمنتدى