أخي...خذ عني شيئا مني

أخي،في طريقك الذي تشقه قدما نحو المعالي،وأثناء رحلتك في غمار الدنيا وخضمها،وأثناء سعيك في طلب العلم وتحصيله،خذ مني زادا تتزود به وبلغة تتبلغ بها،فالدنيا مشغلة،وتعاقب الحدثان يلهي المرء أحيانا،واختلاف الليل والنهار ينسي...
أخي،تزود من التقوى فإنها خير الزاد،هي العروة الوثقى،وهي الذخيرة الأبقى،وهي السلاح الأقوى"وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".
لا يشغلنك شيء مهما عظم عن دينك أن تقوم به وتدعو له وتبذل نفسك وما تملك في سبيله،فهذه هي رسالتك التي أمرت بتبليغها،ولا عذر لك في التقصير فيها،بلغها لمن لا يعرفها أو عرفها على دخن،بلغها بقولك وفعلك ومعاملتك وأخذك وعطاءك.
لا شيء أعظم من توحيد الله عز وجل،فاحرص على معرفة إلهك حق المعرفة،فإنك حين تعرف ربك تستحي منه أن يراك تعصيه،وتخاف منه وترجوه وتحبه.
الصلاة عمود الدين،وقرة عيون الموحدين،أقمها كما أمرت خاشعا فيها لربك فرحا بقربك من خالقك،وكن من الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون،واحذر من التفريط فيها أو إهمالها فتكون من الخلف الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فتلقى يوم الحشر غيا،ولا حظ في الإسلام لمن تركها.
اجعل لنفسك ساعة تتفكر بها في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء،فإن للتفكر منافع عظيمة لا يدركها إلا من ذاق حلاوته،واطلب لنفسك ساعة خلوة وعزلة تناجي فيها ربك،يصفو بها ذهنك وتستكين نفسك وتقر عينك.
اجعل بشرك في وجهك أبدا،واجعل قلبك وعاء لحزنك أبدا،فبذلك تقر عين محبك وتتقي شماتة عدوك،واحذر من الناس من غير أن تمنع عنهم انبساطك وانشراحك لهم.
إذا خوصمت في شيء من الدنيا فدعه بسماحة ما استطعت،فلا شيء في الدنيا يساوي تنزلك له والقتال عليه،وكن بكل شيء من دينك أشد تمسكا من الأم بولدها ولو قاتلك عليه أهل الأرض أجمعون.
ادع الله ألا تضطر لامتحان الإخوان،ومن تركك فاتركه،ومن اشترى قربك فابذل له نفسك،ولا تأس على من وثقت به فخانك،ولا على من أحببت وصاحبت فباعك بثمن بخس،فهو إذ فعل بك ذلك أقل شأنا وأحقر من أن تغتم لفراقه وتحزن على نأيه،ولا ينبئك مثل خبير.
دع الظلم والغدر والكذب والخيانة ما استطعت،واسأل الله أن يعافيك من اجتراح واحدة منها أو اقترافها،واسال الله العفو والعافية في كل أمرك.
ابتعد عن المعاصي واجتنب ما يقربك منها،وأعيذك بالله أن يصبح عليك يوم وقد ألف قلبك الذنوب واستحلى مقارفتها،ولو لم يكن من عواقب الذنوب وشؤمها إلا سواد الوجه وظلمة القلب ووحشة الناس لكان حريا بالعاقل تركها والبعد عنها،فكيف وهي تورث غضب الجليل وإزالة النعم وحلول البوائق والنقم.واحذر أن تجعل الله أهون الناظرين إليك.
أكثر من قيام الليل،فهو جلاء للوجه،ويزيد في الإيمان،ومن خلا بربه في الليل فتح عليه فتحا عظيما،واجعل لنفسك نصيبا من حفظ القرآن،ولا تخدع عن هذا بعرض من الدنيا،فحامل القرآن من الذين اصطفى الله"ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا".
إن قدرت ألا تدع مظلوما إلا نصرته،ولا محتاجا إلا أعنته،فافعل،فالله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه،وأنت إلى عون ربك أحوج من المحتاج إلى عونك،وأقرض الله قرضا حسنا يضاعف لك،وكل تجارة تحتمل الربح والخسارة إلا تجارة صادقة مع الله،فتلك لعمري تجارة لن تبور.
أحسن إلى الناس،وتجنب مخالطتهم بما يذهب هيبتك من قلوبهم،وابذل معروفك لكل أحد،فالجميل أينما وضع لا يضيع،ودع الكبر وغمط الناس في غير سفالة ولا مخالطة للرعاع.
ادفع بالتي هي أحسن،وكن سمحا بما في يدك في غير ضعف ولا رخاوة،وأحبب على هون،وأبغض بمثل ذلك،ومهما خاصمت صديقا أو فارقت حبيبا فاترك للصلح موضعا،لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا،ولا تقل اليوم أو تفعل ما تندم عليه غدا،فالغضب لا يلبث أن يزول وإن اشتد،واسأل الله كلمة الحق في الرضا والغضب.
لا تؤاخ اخاك على حرف،إن بدا منه خير فأنت على العهد،وإن بدا منه غير ذلك نفضت يديك منه،فتلك مؤاخاة اللئام،وإن بدا لك من مخالطة أحد صدقه ووفاؤه وسمو نفسه ثم تركته لشيء بلغك عنه لا تدري أصدق أم كذب أم لعل له فيه عذرا وحجة فانت لا تستحق صحبته،ثم ليس راء كمن سمع،والعجب لمن يدعي العقل ثم يدع ما عاينه لما سمعه.
أخي،امض لقصدك متوكلا على الحي الذي لا يموت،أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك،زودك الله التقوى وغفر ذنبك ويسر لك الخير حيثما كنت،ووقاك شر نفسك والهوى والشيطان،ولا تنسنا من صالح دعاءك يا أخي.....