المبحث الأول : السيرة الذاتية لكارل ماركس و إنتاجه الفكري
المطلب الأول : مــولــده و نشــأتــه
ولد كارل ماركس في (05 ماي 1818م ) في " تريف بألمانيا" من عائلة بورجوازية ، وهو الثالث بين تسعة أبناء كان والده محاميا ذو مكانة مرموقة ،ولد يهوديا ثم اعتنق الديانة البروتستانتية،ثم درس الحقوق فيما بعد بجامعة " بون" و الفلسفة في جامعة " برلين" و أكمل دراسته فيما بعد حيث نال شهادة الدكتوراه من خلال أطروحته في الفلسفة المادية للمدرسة الأبيقورية وذاك سنة( 1841 م) وعمره حوالي ثلاثة و عشرون سنة .
وفي سنة (1842م) أصبح رئيس تحرير صحيفة "راينتيخ تسايتونغ"، ولكن هذه الصحيفة لم تعمر طويلا بحيث ألغيت سنة (1843م) على إثر قرار القاضي بإيقاف جميع الصحف اليسارية.
ومن خلال دراسته للفلسفة، تأثر ماركس "بهيجل"(*) الذي أعتبر الخلافات هي المحرك الأساسي للتاريخ، كما أعجب بفكرته القائلة بان الدولة شخص حقيقي لها الحق المطلق في اتخاذ الإجراءات الضرورية لإسعاد أبناء المجتمع، وبالتالي فهي تحتل مكانة عالية تسود فيها السيادة الوطنية وليست في مجموع الأفراد.(1)
ونظرا لأفكار ماركس فلقد رفض طلبه في التدريس في الجامعات الألمانية خشية من إثارة الفوضى في المجتمع نظرا لمكانة الجامعة و روادها. و في هذه الأثناء يرحل إلى فرنسا التي كانت معقل الاشتراكين الأوربيين وأقام بها، وكان يريد معرفة نوعية الاشتراكية الفرنسية لكنه شعر بخيبة أمل المفكرين الفرنسيين الذين كانوا يتكلمون عن الاشتراكية النظرية و فقط ،ليأتي ماركس بفكرته الجديدة التي مفادها أن النظرية و التطبيق يجب أن يلتقيا في العمل السياسي و يقصد طبعا النظرية الاشتراكية و التطبيق الاشتراكي و أفضل مكان لهما هو الشارع .(2)
ومنذ سنة (1847م) توطدت العلاقة بينه و بين زميله "انجليز"(**) و بطلب من منظمة يسارية ألمانية تدعى "رابطة الشباب الشيوعيين" حرر البيان الشيوعي في مدة شهرين خلال ثورة( 1848م) بباريس و خلاصة البيان أن الاشتراكية لا تتحقق إلا باستعمال القوة. ولقد توفي ماركس عام (1883م)عن عمر يناهز الخامسة و ستون سنة.(3)
المطلب الثانـي : إنتاجــه الفكـري
يعد ماركس مؤرخا و فيلسوفا و عالم مجتمعات بشرية كما يعد عالم اقتصاد، و المعروف انه غزير من حيث الإنتاج الفكري ،فبين عام (1842- 1848م) تاريخ تحرير البيان كما قد كتب و نشر العديد من المؤلفات الكاملة و غير الكاملة التي تتغذى منها جوهر النظرية الماركسية .
ماركس فيلسوف ثوري واقتصادي،أما نشاطه الثوري فبدأ بتاريخ (1846م) عندما أسس مع زميله "إنجليز" لجنة دعائية شيوعية "ببروكسل"،وعند إقامته بباريس عام (1844م) درس الاقتصاديين الإنجليزي و الفرنسي و ألف مخطوطا في الاقتصاد السياسي و الفلسفي .وفي عام (1847م) ألف كتابا ضخم بعنوان بؤس الفلسفة و جواب على فلسفة البؤس لبردون.
أما في الميدان السياسي فقد حرر عدة مقالات ما بين عام (1842م) و( 1848م) في الصحيفة التي تولى إدارتها بحيث تعتبر هذه الفترة حاسمة عند كارل ماركس في رسم مساره الفكري و بالتالي كيفية تكوين الفكر الماركسي . وفي عام (1848م) عاد إلى "ألمانيا" نتيجة الثورة في "فرنسا" و لكنه عاد إلى المنفى عام (1849م).(1)
أما في عام (1850م) ركز مثله مثل زميله إنجليز على المقتضيات النظرية و التطبيقية للحركة الثورية البروليتارية(*) حيث وضعا المؤلف الهام "رأس المال" الذي ظهر منه الكتاب الأول في حياة ماركس عام (1867م) و الكتاب الثاني نشره إنجليز عام (1884م) ،و الكتاب الثالث عام (1894م) و تكمن أهمية هذا الكتاب في المنهج الجدلي العلمي عند الاشتراكيين بصفة عامة و الشيوعيين بصفة خاصة ،و من مؤلفاته كذلك "الصراعات الطبقية في فرنسا" عام (1850م) و الحرب الأهلية في فرنسا عام (1871م) و نقد الاقتصاد السياسي عام (1859م)
و غيرها.
المطلب الثالث: المؤثرات التي أثرت على فكره
هناك ثلاثة تيارات أثرت في أفكار ماركس وهي كتالي :
1 - الفلسفة الألمانية : حيث تأثر بمناهج هيجل في التحليل وان كان تأثره بموقف دولته "ألمانيا" بعد هزيمتها من فرنسا عدوتها قد أثر في رغبته في التغير الجدري وليس الإصلاح .
2 - الثورة الفرنسية : وقد ناثر علي وجه الخصوص بالاشتراكية الفرنسية إذ تأثر بأفكار العديد من المفكرين خاصة "بابيف و سان سيمون".
3 - الاتجاهات الاقتصادية الانجليزية : حيث تأثر بأفكار الاقتصاديين الانجليز خاصة أن العالم تحكمه قوانين اقتصادية محددة(2).
كما قد تأثر ماركس أيضا بالظروف في "انجلترا" الدولة التي عاش فيها ، بعد نفيه من "ألمانيا" حيث اعتقد أن الأوضاع فيها في ظل الرأسمالي في التصنيع تعتبر أكثر تدنيا مما ساد في "ألمانيا" مما جعله يعمم تحليله ليس فقط من واقع "ألمانيا" ولكن أيضا من الضر وف السائدة في وقته وتعتبر أفكار ماركس متكاملة وتكون أساس ما يعرف بالاشتراكية الثورية التي درج علي تسميتها "الشيوعية ". والتي تختلف عن غيرها من الاشتراكيات في إنها اشتراكية علمية كما أطلق عليها ماركس علي خلاف الاشتراكيات المثالية حيث تختلف عن الاشتراكيات الديمقراطية (1).
المبحث الثاني : الجوانب السياسية في أفكار ماركس
المطلب الأول : الصراع الطبقي و ثورة البروليتاريا
لقد نظر ماركس للصراع علي انه المفتاح الرئيسي للوضع الاجتماعي،كما عبر عنه و إنجليز في "المانيفسيو الشيوع "(*) " إن تاريخ كل مجتمع بشري إلى يومنا هو تاريخ الصراع بين الطبقات " (2) ،كما يقول ماركس إن الصراع الطبقي قد و جد منذ انهيار تنظيم المجتمع القبلي، و أن البشرية في الواقع قد تطورت إلى مراحل أعلى من التطور عن طريق الصراعات الطبقية. فكل نظام من نظم الإنتاج قد انشأ طبقتين رئيسيتين إلا أنهما تتبادلان العداء،وهما الملاك و الكادحون. و إن الطبقة التي تقدر السيطرة على وسائل الإنتاج و التوزيع في كل مجتمع سوف تحكم ذلك المجتمع و إنما بالضرورة الاقتصادية لا بد و أن تحكم بأسلوب اضطهادي و تستغل الطبقات الأخرى.
و لن تستطيع الطبقات التي تقع تحت نير الاستغلال أن تعيش ما لم تقاوم الاضطهاد و الاستغلال. فخلال التاريخ البشري، قام الصراع الطبقي بين المستغلين و المستغلين، أي بين الرقيق ضد الأحرار ،و العامة ضد النبلاء، و الأتباع ضد الأشراف و العاملين ضد النقابيين،البرجوازيين ضد أرستقراطي الأرض،و البروليتاريا ضد الرأسماليين.(3) أي أن الصراع كان هو أساس و جوهر المجتمعات على مر العصور، و لكنه اعتبر البرجوازية الحديثة قد أسهمت في ظل النظام الرأسمالي في تبسيط الصراع بين الطبقات حيث تطور الوضع الى وجود طبقتين تواجه كل منهما الأخرى،وتعارضها في مصالحها و هي الطبقة البرجوازية "Bourgeoisie" و طبقة البروليتاريا "Poretariat"(4)
أما الطبقات الأخرى غير الرأسمالية مثل صاحب المصنع الصغير، صاحب المتجر، و الصانع الفني و المزارع فهي طبقات محافظة إذا ما قورنت بالبروليتاريا التي تعد الطبقة الثورية الوحيدة.(5) .
كما يرى ماركس أيضا أن النظام الرأسمالي حوى في طياته بذور فبائه حيث قام بتجميع البروليتاريا في المدن و عن طريق إحباطها وذلك نتيجة عدم تمتعها بما يوازي عملها مما خلق الشعور بالاضطهاد و عدم الرضا بالوضع القائم .
و النظام الرأسمالي بتبلوره يبلور تناقضات داخلية بفعل القوانين التي اعتبرها ماركس حتمية.
و هذه القوانين تتمثل في تراكم رأس المال أي زيادة الغنى في جانب البرجوازية مما يعرقل المنافسة (1)
المطلب الثاني : ديكتاتورية البروليتاريا
لقد وضع ماركس مع انجليز برنامجا للعمل في مرحلة وصول البروليتاريا للسلطة و قيامها كطبقة حاكمة أي بعد حصولها على الدولة و يتلخص هذا البرنامج في عشر نقاط هي :
1- نزع الملكية العقارية و تخصيص الريع العقاري لتغطية نفقات الدولة
2- فرض ضرائب متصاعدة جدا
3- إلغاء الوراثة
4- مصادرة أملاك جميع المهاجرين و العصاة المتمردين
5- مركزة و التسليف كله في أيدي الدولة بواسطة مصرف وطني رأسماله للدولة و يتمتع باحتكار تام مطلق
6- مركزة جميع وسائل النقل في أيدي الدولة
7- تكثير المصانع التابعة للدولة و أدوات الإنتاج و إصلاح الأراضي البور و تحسين الأراضي المزروعة حسب منهاج عام
8- جعل العمل إجباريا للجميع على السواء و تنظيم جيوش صناعية و ذلك لأجل الزراعة على الخصوص
9- الجمع بين العمل الزراعي و الصناعي و اتخاذ التدابير المؤدية تدريجيا الى محو الفرق بين المدينة و الريف
10- جعل التربية عامة و مجانية لجميع الأولاد و منع تشغيل الاحداث في المصانع كما يجري اليوم، و التوفيق بين التربية و بين الإنتاج المادي ،الخ .
و لكن الجدير بالملاحظة أن ماركس لم يتناول الجوانب التنظيمية أو التأسيسية لتحقيق هذا البرنامج في مرحلة ديكتاتورية البروليتاريا. (2)
المطلب الثالث : الوصول إلى الشيوعية
قد رأى ماركس كما سبق توضيحه أن السلطة السياسية ما هي إلا سلطة منظمة من طبقة واحدة لقهر و استغلال طبقة أخرى و لكن بعد ثورة البروليتاريا و الوصول للحكم يتطلب الحال القضاء على البرجوازية نهائيا ووجود طبقة واحدة في المجتمع هي البروليتاريا .
وعندما يتم القضاء على البرجوازية و تناقضات المجتمع يتم زوال الدولة. و قد ناشد ماركس الشيوعيين في كل مكان تأييد كل حركة ثورية تقوم ضد الأوضاع السياسية و الاجتماعية،أي أن التكتيك الذي رآه ماركس للشيوعية هو التحالف مع العناصر الدولية الثورية في الدول المختلفة حتى يمكن الوصول للهدف الأسمى من ثورة البروليتاريا وهو الوصول إلى الشيوعية بعد مرحلة ديكتاتورية البروليتاريا.
و باختصار، لقد رأى ماركس أن ثورة البروليتاريا الناتجة عن تناقضات النظام الرأسمالي حتمية
و أن القضاء على النظام الحتمي أيضا و أن ثورة البروليتاريا تؤدي إلى مرحلة انتقالية من الناحية السياسية تتمثل في ديكتاتورية البروليتاريا التي تطور نفسها إلى طبقة حاكمة تهدم بالعنف و شدة علاقات الإنتاج القديم.
كما تهدم كل رابطة من الأفكار والآراء التقليدية بما فيها الدين و الأخلاق و العائلة وكذلك القومية حيث نظر إليها جميعا على أنها مفاهيم بورجوازية، وتعمل على القضاء - خلال هذه المرحلة
الانتقالية - على تناقضات المجتمع و ذلك عن طريق برنامج العمل الموضح وفتح الطريق إلى المرحلة النهائية المنشودة و هي الشيوعية حيث تختفي الطبقات بما فيها البروليتاريا و بالتالي يختفي الصراع و لا تجدو هناك حاجة للحكومة كأداة للاستغلال ومن ثم تتلاشى الدولة أو تزول و تصبح هناك إدارة للأشياء و يصبح الإنتاج متمركزا في أيدي جمعية واحدة تشمل الأمة بأسرها.
أما من الناحية الاقتصادية فان المرحلة الانتقالية أو "ديكتاتورية البروليتاريا" تتمثل في الاشتراكية و أساسها "لكل حسب عمله" أما في المرحلة النهائية "الشيوعية" فهي تقوم على "لكل حسب حاجته" أي أن هذه المرحلة يتم فيها الانتقال من" كل حسب عمله إلى الكل حسب حاجته " الأمر الذي يتطلب وجود فائض في المجتمع و هو يدخل في عداد التنبؤات حيث لم يتحقق بأكمله.(1)
المبحث الثالث : المذهب الماركسي
المطلب الأول : تعريف و مميزات المذهب الماركسي
أ ـ التعريف:
الماركسية مذهب اقتصادي سياسي اجتماعي، وضع أسسه الفيلسوف كارل ماركس وزميله فريدريك إنجلز والذي لخصاه في "البيان الشيوعي" ثم توسعا في شرحه بعد ذلك، ليكون الإيديولوجيا العامة التي استندت إليها كثير من أنظمة الحكم في مبادئها ونظرياتها في العالم "كالإتحاد السوفيتي سابقا،الصين الشعبية، تشيكوسلوفاكيا، ألمانية الشرقية، رومانيا،المجر ،ألبانيا و بلغاريا". (1) قبيل التحولات الواسعة في نظامها السياسية و الاقتصادية،مع بداية العقد العاشر من القرن العشرين و انهيار الشيوعية .
و يطلق على "المذهب الماركسي" الاشتراكية العلمية الثورية. فالماركسية مذهب اشتراكي لأنه يهدف إلى القضاء على النظام الرأسمالي،ونظام الطبقات، بتملك الدولة لوسائل الإنتاج قبل كل شيئ. فتاريخ المجتمعات ـ كما يصفه ماركس ـ قائم على الصراع بين الطبقات،و التي تسعى كل منها إلى استغلال الأخرى،فينشا الصراع فيما بينها إلى أن تنهار الطبقة المستغلة تسود الطبقة الأخرى .و يستمر هذا الصراع إلى أن يظهر المجتمع اللاطبقي .
و الماركسية اشتراكية علمية، لأنها جاءت نتيجة لدراسة استقرائية للنظم الاجتماعية، الاقتصادية، و السياسية، التي كانت سائدة آنذاك. و بالتالي فهي مميزة عن الاشتراكية المثالية الخيالية التي سبقتها.
كما يشير ماركس إلى أن النظام الإقطاعي كان يقوم على استغلال السادة الإقطاعيين لا تباعهم . و في عصر الصناعة الآلية، تكونت طبقة البرجوازيين من أصحاب رؤوس الأموال في مجالي الصناعة و التجارة، و تمكنت من القضاء على الطبقة الإقطاعية.و بدأت الطبقة الرأسمالية الجديدة في استغلال طبقة العمال الكادحة عن طريق استيلائها على فائض القيمة ، الأمر الذي يؤدي إلى تفجير الصراع بين الطبقتين، الطبقة الغنية قليلة العدد ، و الطبقة الفقيرة كثيرة العدد.
و النتيجة في نظر ماركس محتومة،ذلك أن السير الطبقي للرأسمالية يؤدي إلى تركيز الأموال، و بدأت الإنتاج لدى عدد من الأفراد يتناقص باستمرار، في حين يتزايد عدد أفراد الطبقة الكادحة.و يمعن الرأسماليون القلائل في الاستغلال، و يزداد الجانب الثاني بؤسا وشقاء.إلى أن تتمكن الطبقة الكادحة من القضاء على البرجوازييين و الرأسماليين.و سبيل ذلك هو اتخاد العمال و العمل الثوري العنيف الذي يؤدي إلى نتائج مؤكدة و سريعة. فالماركسية إذن تتشكل بناء فلسفيا شاملا،ذا جوانب متعددة أهمها الجانب الاقتصادي و الجانب السياسي.(2)
ب ـ مميزات المذهب الماركسي :
تتمثل مميزات المذهب الماركسي فيما يلي :
1- مذهب ماركس اشتراكي علمي: لقد وصف كارل ماركس مذهبه بأنه علمية للاشتراكية تختلف عن دراسات سابقة لهذه الفكرة ذلك أن الدراسات السابقة تعرضت للاشتراكية قبل ماركس خلت من المنطق و التحليل العلمي و كانت تستند إلى العاطفة و تغرق في الخيال و الأوهام أما أفكار ماركس فكانت علمية واقعية بناها على بحث الأوضاع الاجتماعية و كذلك الاقتصادية عبر التاريخ.
2- مذهب ماركس اقتصادي : لقد ركز ماركس على الناحية الاقتصادية و تحليله في هذا المجال ينصب على بيان كيفية سير القوى الاقتصادية الكامنة في النظام الرأسمالي نحو القضاء عليه و إفساح المجال لقيام الاشتراكية،
3- مذهب ماركس مادي : يتجه ماركس في تفكيره إلى إخضاع الروح للمادة، و ينكر وجود الروح المجردة و يهاجم الدين و يرى و جوب نبذ العقائد الدينية و طرحها جانبا للوصول إلى تحرير الطبقة العمالية و الإنسانية جمعاء و يعتقد أن الدين أفيون الشعوب كما يصفه ، يعرقل الوصول إلى هذه الغاية لأنه يخفف من تأثير البؤس الواقعي الذي يعيش فيه الإنسان و يحس به، ذلك عن طريق الوعد بالسعادة في العالم الأخر و هذا الوضع يحمل الأفراد رغم الظلم الواقع عليهم – على الهدوء و يصرفهم عن الثورة.(1)
المطلب الثاني : الديمقراطية و الدولة في المذهب الماركسي
أ ـ الديمقراطية :
جرت الماركسية على وصف الديمقراطية الغربية بديمقراطية الطبقة،أو بديمقراطية الأغنياء فقط،وذلك على ضوء حتمية انتصارهم في كفاحهم مع الآراء و الاتجاهات الأخرى بسبب التفوق الاقتصادي الذي الذي تتمتع به الطبقة و الذي يمكنها من الانتصار و السيطرة على مؤسسات الدولة و استخدامها للحفاظ على مكاسبها.(2)
صحيح أن الديمقراطية التقليدية تعترف بالمعارضة و الرأي الأخر ،ولكن هذا الاعتراف ما هو إلا دليل حي على الصراع الطبقي في المجتمع الرأسمالي ،الذي لا ينتهي إلا بانتصار الطبقة الكادحة و سيطرتها على كل وسائل الإنتاج و لضمان إلغاء التفرقة بين الطبقة التي تملك و التي لا تملك و لهذا إذا كان الرأي يعبر عن الطبقة، فغن إلغاء الطبقة يحتم وحدة الرأي و التالي فلا و جود للمعارضة سواء كانت فردية أم جماعية.(3)
ومن هنا إذا كانت الديمقراطية التقليدية تذهب إلى الاهتمام ببيان حق الفرد و حرية و تقرير المبادئ التي تضمن ذلك كمبدأ الفصل بين السلطات، و التشكيل البرلمانات من مجلس أو مجلسين، وتطبيق مبدأ الشرعية و سيادة القانون ،فإن الماركسية لا تسلم بهذه المبادئ و لا تثق في صلاحيتها لتحقيق الغرض الذي و ضعت من أجلة ،إن لم تعتبرها غير لازمة .
وبناء على ذلك يذهب الفكر الماركسي إلى إنكار مبدأ الفصل بين السلطات اتساقا مع أخذه بوحدة السلطة، و تجاهله للرأي المعارض مع أخذه بفكرة الاجتماع ،أما تفويض السلطة من الشعب للبرلمان إلى السلطة التنفيذية فلا يعتبر انتقاصا من وحدة السلطة ،أو فضلا لها بقدر ما هو تسهيل لرقابة الشعب.(1)
ب ـ الدولة :
إن الدولة عند ماركس لا تقوم على تنمية رفاهية الشعب، وليس على حقها في إلا لتزم السياسي و الطاعة. وإنما تقوم على إكراهها وذلك إكراه طبقي جاء نتيجة لانقسام الجماعة إلى طبقات متصارعة واحتكار البعض منها ملكية الإنتاج والتي استطاعت بواسطتها استغلال سائر طبقات المجتمع وتسخيرها لخدمتها.(2) لذا فالدولة عند كارل ماركس لا تعدو أن تكون ظاهرة ثانوية تمثل انعكاسا لتكون الطبقات و سيطرة أحدها على المجتمع الذي تحكمه هذه الدولة.(3)
وعلى ذلك فإن ظهور الدولة ووجودها مرتبط بظاهرة الصراع الطبقي،لما تمثله من سيطرة إحدى الطبقات في المجتمع على غيرها من الطبقات الأخرى. مستمدة قوتها و سيطرتها مما تملكه من أدوات الإنتاج و سيطرتها على الجانب الاقتصادي ،الذي يتبعه سيطرة حتمية على الجانب السياسي مما يعلي التنظيمات الاقتصادية على التنظيمات السياسية ،على أساس أن الأخيرة ليست إلا انعكاسا للأولى.(4)
إذن ينظر ماركس للدولة التي يسدوها النظام الاقتصادي الرأسمالي على أنها سلاح في يد الطبقة الرأسمالية تستخدمه لإخضاع الطبقات الأخرى لها و السيطرة عليها وخصوصا طبقة العمال ، و يوم يزول النظام الرأسمالي و تحل محله الاشتراكية و تتطور حتى تصل إلى الشيوعية حيث تتحقق في ظلها المساواة في أقصى حدودها ففي هذه المرحلة المتطورة جدا لا تكون هنالك حاجة لوجود الدولة و من ثم فإنها تزول و تختفي في هذه الحالة.
إلا أن ماركس يقرر أن الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية "حيث تفقد الدولة قيمتها و تزول " لا يكون أمرا فجائيا و إنما يخضع لتطور و مرور بمراحل وذلك لإعداد النفوس للقبول بالنظام الشيوعي الذي لا حاجة له بالدولة .أي أنه لابد من وجود فترة انتقال تمهد السبيل نحو الوصول إلى قمة التطور أي الشيوعية و في هذه الفترة تبقى الدولة علي أن تسيطر على زمام الأمور فيها طبقة العمال التي حلت محل الطبقة الرأسمالية .(5)
ويطلق على نظام الحكم في هذه الفترة الانتقالية " ديكتاتورية البروليتاريا" ذلك أن مقاليد الأمور كلها تكون بيد الطبقة العمالية و هذه الطبقة تاجا إلى استخدام الأساليب العنيفة بقصد الهدم و البناء مع السرعة لتحقيق الغاية المنشودة.(1) ومجمل القول أن ماركس يقرن نشوء الدولة بنشوء الطبقات و تعددها .
المطلب الثالث : الانتقادات التي وجهت للمذهب الماركسي
بالرغم مما يراه أنصار المذهب الماركسي من قدرته على إقامة مجتمع مثالي تسوده العدالة و المساواة و تطبق فيه الأسس العلمية التي تضمن توزيع الإنتاج بعد تملك الدولة لوسائله فتمنع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، و تقدم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد،إلا أن هذا المذهب تعرض إلى عدة انتقادات منها ما يلي :
1- فكرة حتمية التاريخ التي تعتبر صلب المذهب غير سليمة فالأفراد وان كانوا محكومين لدرجة كبيرة بماضيهم و بالضر وف الحاضرة التي تحيط بهم فإنهم رغم ذلك يستطيعون بإراداتهم أن يشكلوا و يوجهوا و يختارون الطريق الذي يرونه ملائما لهم.
2- التفسير المادي للتاريخ و الطريقة الجدلية هي عبارة عن أفكار فلسفية تحتمل الصواب والخطأ .
3- رأي ماركس المتعلق بالصراع بين الطبقات غير صحيح حيث يقسم ماركس المجتمع إلى طبقتين "الطبقة الرأسمالية و طبقة البروليتاريا" و أساس هذا الجانب الاقتصادي فالطبقة العليا تملك و الأخرى مستغلة من طرف الأولى أن تقسم المجتمع لا يتفق مع الحقيقة إذا توجد الطبقة الوسطى.
4- يقرر المذهب الماركسي أن المرحلة الاشتراكية لا تأتي إلا بعد أن يكون الاقتصاد قد مر بمرحلة النظام الرأسمالي الصناعي حيث تتصارع بداخله عوامل الهدم الكانة و تستمر فيه حتى تصل بالنظام إلى نقطة يختفي فيها،ويفتح المجال بعد ذلك للاشتراكية محل النظام الذي انهار و هذا غير صحيح فمثلا لم يتحقق حتى الأن تفسر ماركس في الدول الرأسمالية مثل "ألمانيا و انجيلترا" بحيث لم تطبق فيها الاشتراكية في حين أن لدولتين "الاتحاد السوفياتي و الصين" عند ظهور الاشتراكية لم تمر بمرحلة النظام الرأسمالي.
5- ينادي ماركس في مذهبه بالثورة و استخدام العنف لبناء المجتمع الاشتراكي ،كما قد جعل الثورة مبدأ من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها مذهبه في حين أن مسألة الثورة لا تحتمل صفة المبدأ و إنما تؤخذ الثورة على أنها أمر عارض تقتضيه الضرورة و هو إجراء مؤقت لتغير الوضع غير السليم و مادام هو وضعاها فلا يمكن أن يترتب عليها مبدأ ثابت لا يتغير.(2)
الخاتمة
لم يكن ماركس مجرد مفكر سياسي ولكنه كان داعية للثورة و التغير، بل وسعى لترجمتها إلى الواقع . و أفكار ماركس قد ألهمت إيديولوجيات الملاين من البشر في كافة أنحاء العالم نظرا لمنطقيتها و الطابع الإنساني الغالب عليها و مناداتها بتحرير الإنسان من الاستغلال و الاضطهاد .
إلا أنها من الناحية الواقعية لم تطبق بأكملها ،و ما طبق منها لم يطبق على النحو الذي رآه ماركس. فلم يتم انهيار النظام الرأسمالي كما تصور و لم يزدد العال بؤسا و إنما اكتسبوا قوة بوسائل سلمية بدل من الثورة، إذا على الرغم من التسلسل المنطقي لأفكار ماركس من الناحية النضرية إلا انها من الناحية التطبيقية العملية لم تطبق و فقا لما جاء به ماركس و لكن طبقت بطريقة مخالفة.
فافكار ماركس جاءت في شكل تنبؤات لم يتحقق معظمها الى حد كبير و ان كانت قد قبلت بشكلها الكلي من جانب المؤمنين بأفكاره كعقيدة مغلقة غير قابلة للنقاش و الجدل .
فأفكار ماركس جاءت في شكل تنبوءات لم تتحقق معظمها إلي حد كبير وان كانت قد تقبلت بشكلها الكلي من جانب المؤمنين بأفكار كعقيدة معلقة فلم يتصور ماركس دور النقابات العمالية العالمية كجماعات ضغط قوية على الحكومات ،كما لم يتوقع أيضا أن يصبح العمال أصحاب مصلحة في استمرار النظام الرأسمالي نفسه وأن يصبح ركيزة المجتمع طبقة وسطى قوية .
الهوامش:
David Mclellan,the Thought of Karl Marx, 2 nd edition, Lordon:Macmillan,1980,pp: 3-12 (1)
(*) هيجل (1770 -1831م) فيلسوف ألماني كلاسيكي و مفكر مثالي
(**) أنجليز (1820-1895م) فيلسوف ومفكر شيوعي ألماني،دعم مذهب ماركس و كاب يهدف معه لإبراز تقدمية للفلسفة السائدة خاصة عند هيجل
(2) حورية توفيق مجاهد،الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده ،مصر،،مكتبة لأنجلو المصرية،1986:ص475
David Mclellan,the Thought of Karl Marx,pp:16 (3)
(1) حورية توفيق مجاهد،الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده، المرجع نفسه،ص :476
(*) البروليتاريا كلمة لاتينية تعني العمال الكادحين الذين يعتمدون على سواعدهم لكسب عيشتهم، و لا يملكون أرضا و لا مال.
(2) حورية توفيق مجاهد، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده،المرجع نفسه،ص :477
(1) حورية توفيق مجاهد، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده ، المرجع نفسه،ص:477
(*) وقد جاع كنتاج لتكليف من " عصبة الشيوعيين"- وهي جمعية عمال أممية سرية وذلك في مؤتمرها المنعقد في لندن في نوفمبر 1847-لكارل ماركس و انجلز بوضع "برنامج مفصل للحزب،نظري و تطبيقي،لينشر بالغات الانجليزية، و الفرنسية، و الألمانية ، و الايطالية و الفلمنكية و الدانمركية. كما صدرت بالغة الروسية منه في ديسمبر 1847.
Marx &Engels The Communiste Manifest,op,cit,pp,9 (2)
(3) عبد الحميد متولي، الوجيز في النظريات و الأنظمة السياسية ،القاهرة:دار المعارف،1959،ص:365
(4) حورية توفيق مجاهد، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده، المرجع السابق،ص :486
(5) محمد عبد المعز،النظريات و النظم السياسية ،بيروت:دار النهضة العربية للطباعة و النشر،1981م،ص:720
(1) محمد عبد المعز،النظريات و النضم السياسية،المرجع نفسه ،ص:726
(2) حورية توفيق مجاهد، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده ، المرجع السابق،ص :488
(1) حورية توفيق مجاهد، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده، المرجع السابق،ص :488
(1) محمد عبد المعز،النضم و النظريات،المرجع السابق ،ص:730
(2) عبد الحميد متولي، الوجيز في النظريات و الأنظمة السياسية ،المرجع السابق،ص:368
(1) عبد الحميد متولي، الوجيز في النظريات و الأنظمة السياسية ،المرجع نفسه ،ص:367
(2) يحي الجمال،الأنظمة السياسية المعاصرة،بيروت:دار النهضة العربية للطباعة و النشر ،1996،ص:774
(3) محمد عبد المعزنصر،النظريات و النضم السياسية، المرجع السابق ،ص:739
(1) يحي الجمال،الأنظمة السياسية المعاصرة ،المراجع السابق،ص:775
(2) محمد كمال ليلة، النظم السياسية(الدولة و الحكومة)،لبنان : دار النهضة العربية للطباعة و النشر 1969ص:215
(3) محمد عبد المعز،النظريات و النضم السياسية ،المرجع السابق ،ص:744
(4) سعيد بو الشعير، القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة، الجزائر:ديوان المطبوعات الجامعية،2005،ج2 ،ط7 ،ص:111
(5) محمد كامل ليلة،النظم السياسية ،المرجع السابق،ص:216
(1) سعيد بو الشعير، القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة، المرجع السابق،ص :
(2) يحي الجمال،الأنظمة السياسية المعاصرة ،المراجع السابق،ص:7
للامانة منقووول
المطلب الأول : مــولــده و نشــأتــه
ولد كارل ماركس في (05 ماي 1818م ) في " تريف بألمانيا" من عائلة بورجوازية ، وهو الثالث بين تسعة أبناء كان والده محاميا ذو مكانة مرموقة ،ولد يهوديا ثم اعتنق الديانة البروتستانتية،ثم درس الحقوق فيما بعد بجامعة " بون" و الفلسفة في جامعة " برلين" و أكمل دراسته فيما بعد حيث نال شهادة الدكتوراه من خلال أطروحته في الفلسفة المادية للمدرسة الأبيقورية وذاك سنة( 1841 م) وعمره حوالي ثلاثة و عشرون سنة .
وفي سنة (1842م) أصبح رئيس تحرير صحيفة "راينتيخ تسايتونغ"، ولكن هذه الصحيفة لم تعمر طويلا بحيث ألغيت سنة (1843م) على إثر قرار القاضي بإيقاف جميع الصحف اليسارية.
ومن خلال دراسته للفلسفة، تأثر ماركس "بهيجل"(*) الذي أعتبر الخلافات هي المحرك الأساسي للتاريخ، كما أعجب بفكرته القائلة بان الدولة شخص حقيقي لها الحق المطلق في اتخاذ الإجراءات الضرورية لإسعاد أبناء المجتمع، وبالتالي فهي تحتل مكانة عالية تسود فيها السيادة الوطنية وليست في مجموع الأفراد.(1)
ونظرا لأفكار ماركس فلقد رفض طلبه في التدريس في الجامعات الألمانية خشية من إثارة الفوضى في المجتمع نظرا لمكانة الجامعة و روادها. و في هذه الأثناء يرحل إلى فرنسا التي كانت معقل الاشتراكين الأوربيين وأقام بها، وكان يريد معرفة نوعية الاشتراكية الفرنسية لكنه شعر بخيبة أمل المفكرين الفرنسيين الذين كانوا يتكلمون عن الاشتراكية النظرية و فقط ،ليأتي ماركس بفكرته الجديدة التي مفادها أن النظرية و التطبيق يجب أن يلتقيا في العمل السياسي و يقصد طبعا النظرية الاشتراكية و التطبيق الاشتراكي و أفضل مكان لهما هو الشارع .(2)
ومنذ سنة (1847م) توطدت العلاقة بينه و بين زميله "انجليز"(**) و بطلب من منظمة يسارية ألمانية تدعى "رابطة الشباب الشيوعيين" حرر البيان الشيوعي في مدة شهرين خلال ثورة( 1848م) بباريس و خلاصة البيان أن الاشتراكية لا تتحقق إلا باستعمال القوة. ولقد توفي ماركس عام (1883م)عن عمر يناهز الخامسة و ستون سنة.(3)
المطلب الثانـي : إنتاجــه الفكـري
يعد ماركس مؤرخا و فيلسوفا و عالم مجتمعات بشرية كما يعد عالم اقتصاد، و المعروف انه غزير من حيث الإنتاج الفكري ،فبين عام (1842- 1848م) تاريخ تحرير البيان كما قد كتب و نشر العديد من المؤلفات الكاملة و غير الكاملة التي تتغذى منها جوهر النظرية الماركسية .
ماركس فيلسوف ثوري واقتصادي،أما نشاطه الثوري فبدأ بتاريخ (1846م) عندما أسس مع زميله "إنجليز" لجنة دعائية شيوعية "ببروكسل"،وعند إقامته بباريس عام (1844م) درس الاقتصاديين الإنجليزي و الفرنسي و ألف مخطوطا في الاقتصاد السياسي و الفلسفي .وفي عام (1847م) ألف كتابا ضخم بعنوان بؤس الفلسفة و جواب على فلسفة البؤس لبردون.
أما في الميدان السياسي فقد حرر عدة مقالات ما بين عام (1842م) و( 1848م) في الصحيفة التي تولى إدارتها بحيث تعتبر هذه الفترة حاسمة عند كارل ماركس في رسم مساره الفكري و بالتالي كيفية تكوين الفكر الماركسي . وفي عام (1848م) عاد إلى "ألمانيا" نتيجة الثورة في "فرنسا" و لكنه عاد إلى المنفى عام (1849م).(1)
أما في عام (1850م) ركز مثله مثل زميله إنجليز على المقتضيات النظرية و التطبيقية للحركة الثورية البروليتارية(*) حيث وضعا المؤلف الهام "رأس المال" الذي ظهر منه الكتاب الأول في حياة ماركس عام (1867م) و الكتاب الثاني نشره إنجليز عام (1884م) ،و الكتاب الثالث عام (1894م) و تكمن أهمية هذا الكتاب في المنهج الجدلي العلمي عند الاشتراكيين بصفة عامة و الشيوعيين بصفة خاصة ،و من مؤلفاته كذلك "الصراعات الطبقية في فرنسا" عام (1850م) و الحرب الأهلية في فرنسا عام (1871م) و نقد الاقتصاد السياسي عام (1859م)
و غيرها.
المطلب الثالث: المؤثرات التي أثرت على فكره
هناك ثلاثة تيارات أثرت في أفكار ماركس وهي كتالي :
1 - الفلسفة الألمانية : حيث تأثر بمناهج هيجل في التحليل وان كان تأثره بموقف دولته "ألمانيا" بعد هزيمتها من فرنسا عدوتها قد أثر في رغبته في التغير الجدري وليس الإصلاح .
2 - الثورة الفرنسية : وقد ناثر علي وجه الخصوص بالاشتراكية الفرنسية إذ تأثر بأفكار العديد من المفكرين خاصة "بابيف و سان سيمون".
3 - الاتجاهات الاقتصادية الانجليزية : حيث تأثر بأفكار الاقتصاديين الانجليز خاصة أن العالم تحكمه قوانين اقتصادية محددة(2).
كما قد تأثر ماركس أيضا بالظروف في "انجلترا" الدولة التي عاش فيها ، بعد نفيه من "ألمانيا" حيث اعتقد أن الأوضاع فيها في ظل الرأسمالي في التصنيع تعتبر أكثر تدنيا مما ساد في "ألمانيا" مما جعله يعمم تحليله ليس فقط من واقع "ألمانيا" ولكن أيضا من الضر وف السائدة في وقته وتعتبر أفكار ماركس متكاملة وتكون أساس ما يعرف بالاشتراكية الثورية التي درج علي تسميتها "الشيوعية ". والتي تختلف عن غيرها من الاشتراكيات في إنها اشتراكية علمية كما أطلق عليها ماركس علي خلاف الاشتراكيات المثالية حيث تختلف عن الاشتراكيات الديمقراطية (1).
المبحث الثاني : الجوانب السياسية في أفكار ماركس
المطلب الأول : الصراع الطبقي و ثورة البروليتاريا
لقد نظر ماركس للصراع علي انه المفتاح الرئيسي للوضع الاجتماعي،كما عبر عنه و إنجليز في "المانيفسيو الشيوع "(*) " إن تاريخ كل مجتمع بشري إلى يومنا هو تاريخ الصراع بين الطبقات " (2) ،كما يقول ماركس إن الصراع الطبقي قد و جد منذ انهيار تنظيم المجتمع القبلي، و أن البشرية في الواقع قد تطورت إلى مراحل أعلى من التطور عن طريق الصراعات الطبقية. فكل نظام من نظم الإنتاج قد انشأ طبقتين رئيسيتين إلا أنهما تتبادلان العداء،وهما الملاك و الكادحون. و إن الطبقة التي تقدر السيطرة على وسائل الإنتاج و التوزيع في كل مجتمع سوف تحكم ذلك المجتمع و إنما بالضرورة الاقتصادية لا بد و أن تحكم بأسلوب اضطهادي و تستغل الطبقات الأخرى.
و لن تستطيع الطبقات التي تقع تحت نير الاستغلال أن تعيش ما لم تقاوم الاضطهاد و الاستغلال. فخلال التاريخ البشري، قام الصراع الطبقي بين المستغلين و المستغلين، أي بين الرقيق ضد الأحرار ،و العامة ضد النبلاء، و الأتباع ضد الأشراف و العاملين ضد النقابيين،البرجوازيين ضد أرستقراطي الأرض،و البروليتاريا ضد الرأسماليين.(3) أي أن الصراع كان هو أساس و جوهر المجتمعات على مر العصور، و لكنه اعتبر البرجوازية الحديثة قد أسهمت في ظل النظام الرأسمالي في تبسيط الصراع بين الطبقات حيث تطور الوضع الى وجود طبقتين تواجه كل منهما الأخرى،وتعارضها في مصالحها و هي الطبقة البرجوازية "Bourgeoisie" و طبقة البروليتاريا "Poretariat"(4)
أما الطبقات الأخرى غير الرأسمالية مثل صاحب المصنع الصغير، صاحب المتجر، و الصانع الفني و المزارع فهي طبقات محافظة إذا ما قورنت بالبروليتاريا التي تعد الطبقة الثورية الوحيدة.(5) .
كما يرى ماركس أيضا أن النظام الرأسمالي حوى في طياته بذور فبائه حيث قام بتجميع البروليتاريا في المدن و عن طريق إحباطها وذلك نتيجة عدم تمتعها بما يوازي عملها مما خلق الشعور بالاضطهاد و عدم الرضا بالوضع القائم .
و النظام الرأسمالي بتبلوره يبلور تناقضات داخلية بفعل القوانين التي اعتبرها ماركس حتمية.
و هذه القوانين تتمثل في تراكم رأس المال أي زيادة الغنى في جانب البرجوازية مما يعرقل المنافسة (1)
المطلب الثاني : ديكتاتورية البروليتاريا
لقد وضع ماركس مع انجليز برنامجا للعمل في مرحلة وصول البروليتاريا للسلطة و قيامها كطبقة حاكمة أي بعد حصولها على الدولة و يتلخص هذا البرنامج في عشر نقاط هي :
1- نزع الملكية العقارية و تخصيص الريع العقاري لتغطية نفقات الدولة
2- فرض ضرائب متصاعدة جدا
3- إلغاء الوراثة
4- مصادرة أملاك جميع المهاجرين و العصاة المتمردين
5- مركزة و التسليف كله في أيدي الدولة بواسطة مصرف وطني رأسماله للدولة و يتمتع باحتكار تام مطلق
6- مركزة جميع وسائل النقل في أيدي الدولة
7- تكثير المصانع التابعة للدولة و أدوات الإنتاج و إصلاح الأراضي البور و تحسين الأراضي المزروعة حسب منهاج عام
8- جعل العمل إجباريا للجميع على السواء و تنظيم جيوش صناعية و ذلك لأجل الزراعة على الخصوص
9- الجمع بين العمل الزراعي و الصناعي و اتخاذ التدابير المؤدية تدريجيا الى محو الفرق بين المدينة و الريف
10- جعل التربية عامة و مجانية لجميع الأولاد و منع تشغيل الاحداث في المصانع كما يجري اليوم، و التوفيق بين التربية و بين الإنتاج المادي ،الخ .
و لكن الجدير بالملاحظة أن ماركس لم يتناول الجوانب التنظيمية أو التأسيسية لتحقيق هذا البرنامج في مرحلة ديكتاتورية البروليتاريا. (2)
المطلب الثالث : الوصول إلى الشيوعية
قد رأى ماركس كما سبق توضيحه أن السلطة السياسية ما هي إلا سلطة منظمة من طبقة واحدة لقهر و استغلال طبقة أخرى و لكن بعد ثورة البروليتاريا و الوصول للحكم يتطلب الحال القضاء على البرجوازية نهائيا ووجود طبقة واحدة في المجتمع هي البروليتاريا .
وعندما يتم القضاء على البرجوازية و تناقضات المجتمع يتم زوال الدولة. و قد ناشد ماركس الشيوعيين في كل مكان تأييد كل حركة ثورية تقوم ضد الأوضاع السياسية و الاجتماعية،أي أن التكتيك الذي رآه ماركس للشيوعية هو التحالف مع العناصر الدولية الثورية في الدول المختلفة حتى يمكن الوصول للهدف الأسمى من ثورة البروليتاريا وهو الوصول إلى الشيوعية بعد مرحلة ديكتاتورية البروليتاريا.
و باختصار، لقد رأى ماركس أن ثورة البروليتاريا الناتجة عن تناقضات النظام الرأسمالي حتمية
و أن القضاء على النظام الحتمي أيضا و أن ثورة البروليتاريا تؤدي إلى مرحلة انتقالية من الناحية السياسية تتمثل في ديكتاتورية البروليتاريا التي تطور نفسها إلى طبقة حاكمة تهدم بالعنف و شدة علاقات الإنتاج القديم.
كما تهدم كل رابطة من الأفكار والآراء التقليدية بما فيها الدين و الأخلاق و العائلة وكذلك القومية حيث نظر إليها جميعا على أنها مفاهيم بورجوازية، وتعمل على القضاء - خلال هذه المرحلة
الانتقالية - على تناقضات المجتمع و ذلك عن طريق برنامج العمل الموضح وفتح الطريق إلى المرحلة النهائية المنشودة و هي الشيوعية حيث تختفي الطبقات بما فيها البروليتاريا و بالتالي يختفي الصراع و لا تجدو هناك حاجة للحكومة كأداة للاستغلال ومن ثم تتلاشى الدولة أو تزول و تصبح هناك إدارة للأشياء و يصبح الإنتاج متمركزا في أيدي جمعية واحدة تشمل الأمة بأسرها.
أما من الناحية الاقتصادية فان المرحلة الانتقالية أو "ديكتاتورية البروليتاريا" تتمثل في الاشتراكية و أساسها "لكل حسب عمله" أما في المرحلة النهائية "الشيوعية" فهي تقوم على "لكل حسب حاجته" أي أن هذه المرحلة يتم فيها الانتقال من" كل حسب عمله إلى الكل حسب حاجته " الأمر الذي يتطلب وجود فائض في المجتمع و هو يدخل في عداد التنبؤات حيث لم يتحقق بأكمله.(1)
المبحث الثالث : المذهب الماركسي
المطلب الأول : تعريف و مميزات المذهب الماركسي
أ ـ التعريف:
الماركسية مذهب اقتصادي سياسي اجتماعي، وضع أسسه الفيلسوف كارل ماركس وزميله فريدريك إنجلز والذي لخصاه في "البيان الشيوعي" ثم توسعا في شرحه بعد ذلك، ليكون الإيديولوجيا العامة التي استندت إليها كثير من أنظمة الحكم في مبادئها ونظرياتها في العالم "كالإتحاد السوفيتي سابقا،الصين الشعبية، تشيكوسلوفاكيا، ألمانية الشرقية، رومانيا،المجر ،ألبانيا و بلغاريا". (1) قبيل التحولات الواسعة في نظامها السياسية و الاقتصادية،مع بداية العقد العاشر من القرن العشرين و انهيار الشيوعية .
و يطلق على "المذهب الماركسي" الاشتراكية العلمية الثورية. فالماركسية مذهب اشتراكي لأنه يهدف إلى القضاء على النظام الرأسمالي،ونظام الطبقات، بتملك الدولة لوسائل الإنتاج قبل كل شيئ. فتاريخ المجتمعات ـ كما يصفه ماركس ـ قائم على الصراع بين الطبقات،و التي تسعى كل منها إلى استغلال الأخرى،فينشا الصراع فيما بينها إلى أن تنهار الطبقة المستغلة تسود الطبقة الأخرى .و يستمر هذا الصراع إلى أن يظهر المجتمع اللاطبقي .
و الماركسية اشتراكية علمية، لأنها جاءت نتيجة لدراسة استقرائية للنظم الاجتماعية، الاقتصادية، و السياسية، التي كانت سائدة آنذاك. و بالتالي فهي مميزة عن الاشتراكية المثالية الخيالية التي سبقتها.
كما يشير ماركس إلى أن النظام الإقطاعي كان يقوم على استغلال السادة الإقطاعيين لا تباعهم . و في عصر الصناعة الآلية، تكونت طبقة البرجوازيين من أصحاب رؤوس الأموال في مجالي الصناعة و التجارة، و تمكنت من القضاء على الطبقة الإقطاعية.و بدأت الطبقة الرأسمالية الجديدة في استغلال طبقة العمال الكادحة عن طريق استيلائها على فائض القيمة ، الأمر الذي يؤدي إلى تفجير الصراع بين الطبقتين، الطبقة الغنية قليلة العدد ، و الطبقة الفقيرة كثيرة العدد.
و النتيجة في نظر ماركس محتومة،ذلك أن السير الطبقي للرأسمالية يؤدي إلى تركيز الأموال، و بدأت الإنتاج لدى عدد من الأفراد يتناقص باستمرار، في حين يتزايد عدد أفراد الطبقة الكادحة.و يمعن الرأسماليون القلائل في الاستغلال، و يزداد الجانب الثاني بؤسا وشقاء.إلى أن تتمكن الطبقة الكادحة من القضاء على البرجوازييين و الرأسماليين.و سبيل ذلك هو اتخاد العمال و العمل الثوري العنيف الذي يؤدي إلى نتائج مؤكدة و سريعة. فالماركسية إذن تتشكل بناء فلسفيا شاملا،ذا جوانب متعددة أهمها الجانب الاقتصادي و الجانب السياسي.(2)
ب ـ مميزات المذهب الماركسي :
تتمثل مميزات المذهب الماركسي فيما يلي :
1- مذهب ماركس اشتراكي علمي: لقد وصف كارل ماركس مذهبه بأنه علمية للاشتراكية تختلف عن دراسات سابقة لهذه الفكرة ذلك أن الدراسات السابقة تعرضت للاشتراكية قبل ماركس خلت من المنطق و التحليل العلمي و كانت تستند إلى العاطفة و تغرق في الخيال و الأوهام أما أفكار ماركس فكانت علمية واقعية بناها على بحث الأوضاع الاجتماعية و كذلك الاقتصادية عبر التاريخ.
2- مذهب ماركس اقتصادي : لقد ركز ماركس على الناحية الاقتصادية و تحليله في هذا المجال ينصب على بيان كيفية سير القوى الاقتصادية الكامنة في النظام الرأسمالي نحو القضاء عليه و إفساح المجال لقيام الاشتراكية،
3- مذهب ماركس مادي : يتجه ماركس في تفكيره إلى إخضاع الروح للمادة، و ينكر وجود الروح المجردة و يهاجم الدين و يرى و جوب نبذ العقائد الدينية و طرحها جانبا للوصول إلى تحرير الطبقة العمالية و الإنسانية جمعاء و يعتقد أن الدين أفيون الشعوب كما يصفه ، يعرقل الوصول إلى هذه الغاية لأنه يخفف من تأثير البؤس الواقعي الذي يعيش فيه الإنسان و يحس به، ذلك عن طريق الوعد بالسعادة في العالم الأخر و هذا الوضع يحمل الأفراد رغم الظلم الواقع عليهم – على الهدوء و يصرفهم عن الثورة.(1)
المطلب الثاني : الديمقراطية و الدولة في المذهب الماركسي
أ ـ الديمقراطية :
جرت الماركسية على وصف الديمقراطية الغربية بديمقراطية الطبقة،أو بديمقراطية الأغنياء فقط،وذلك على ضوء حتمية انتصارهم في كفاحهم مع الآراء و الاتجاهات الأخرى بسبب التفوق الاقتصادي الذي الذي تتمتع به الطبقة و الذي يمكنها من الانتصار و السيطرة على مؤسسات الدولة و استخدامها للحفاظ على مكاسبها.(2)
صحيح أن الديمقراطية التقليدية تعترف بالمعارضة و الرأي الأخر ،ولكن هذا الاعتراف ما هو إلا دليل حي على الصراع الطبقي في المجتمع الرأسمالي ،الذي لا ينتهي إلا بانتصار الطبقة الكادحة و سيطرتها على كل وسائل الإنتاج و لضمان إلغاء التفرقة بين الطبقة التي تملك و التي لا تملك و لهذا إذا كان الرأي يعبر عن الطبقة، فغن إلغاء الطبقة يحتم وحدة الرأي و التالي فلا و جود للمعارضة سواء كانت فردية أم جماعية.(3)
ومن هنا إذا كانت الديمقراطية التقليدية تذهب إلى الاهتمام ببيان حق الفرد و حرية و تقرير المبادئ التي تضمن ذلك كمبدأ الفصل بين السلطات، و التشكيل البرلمانات من مجلس أو مجلسين، وتطبيق مبدأ الشرعية و سيادة القانون ،فإن الماركسية لا تسلم بهذه المبادئ و لا تثق في صلاحيتها لتحقيق الغرض الذي و ضعت من أجلة ،إن لم تعتبرها غير لازمة .
وبناء على ذلك يذهب الفكر الماركسي إلى إنكار مبدأ الفصل بين السلطات اتساقا مع أخذه بوحدة السلطة، و تجاهله للرأي المعارض مع أخذه بفكرة الاجتماع ،أما تفويض السلطة من الشعب للبرلمان إلى السلطة التنفيذية فلا يعتبر انتقاصا من وحدة السلطة ،أو فضلا لها بقدر ما هو تسهيل لرقابة الشعب.(1)
ب ـ الدولة :
إن الدولة عند ماركس لا تقوم على تنمية رفاهية الشعب، وليس على حقها في إلا لتزم السياسي و الطاعة. وإنما تقوم على إكراهها وذلك إكراه طبقي جاء نتيجة لانقسام الجماعة إلى طبقات متصارعة واحتكار البعض منها ملكية الإنتاج والتي استطاعت بواسطتها استغلال سائر طبقات المجتمع وتسخيرها لخدمتها.(2) لذا فالدولة عند كارل ماركس لا تعدو أن تكون ظاهرة ثانوية تمثل انعكاسا لتكون الطبقات و سيطرة أحدها على المجتمع الذي تحكمه هذه الدولة.(3)
وعلى ذلك فإن ظهور الدولة ووجودها مرتبط بظاهرة الصراع الطبقي،لما تمثله من سيطرة إحدى الطبقات في المجتمع على غيرها من الطبقات الأخرى. مستمدة قوتها و سيطرتها مما تملكه من أدوات الإنتاج و سيطرتها على الجانب الاقتصادي ،الذي يتبعه سيطرة حتمية على الجانب السياسي مما يعلي التنظيمات الاقتصادية على التنظيمات السياسية ،على أساس أن الأخيرة ليست إلا انعكاسا للأولى.(4)
إذن ينظر ماركس للدولة التي يسدوها النظام الاقتصادي الرأسمالي على أنها سلاح في يد الطبقة الرأسمالية تستخدمه لإخضاع الطبقات الأخرى لها و السيطرة عليها وخصوصا طبقة العمال ، و يوم يزول النظام الرأسمالي و تحل محله الاشتراكية و تتطور حتى تصل إلى الشيوعية حيث تتحقق في ظلها المساواة في أقصى حدودها ففي هذه المرحلة المتطورة جدا لا تكون هنالك حاجة لوجود الدولة و من ثم فإنها تزول و تختفي في هذه الحالة.
إلا أن ماركس يقرر أن الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية "حيث تفقد الدولة قيمتها و تزول " لا يكون أمرا فجائيا و إنما يخضع لتطور و مرور بمراحل وذلك لإعداد النفوس للقبول بالنظام الشيوعي الذي لا حاجة له بالدولة .أي أنه لابد من وجود فترة انتقال تمهد السبيل نحو الوصول إلى قمة التطور أي الشيوعية و في هذه الفترة تبقى الدولة علي أن تسيطر على زمام الأمور فيها طبقة العمال التي حلت محل الطبقة الرأسمالية .(5)
ويطلق على نظام الحكم في هذه الفترة الانتقالية " ديكتاتورية البروليتاريا" ذلك أن مقاليد الأمور كلها تكون بيد الطبقة العمالية و هذه الطبقة تاجا إلى استخدام الأساليب العنيفة بقصد الهدم و البناء مع السرعة لتحقيق الغاية المنشودة.(1) ومجمل القول أن ماركس يقرن نشوء الدولة بنشوء الطبقات و تعددها .
المطلب الثالث : الانتقادات التي وجهت للمذهب الماركسي
بالرغم مما يراه أنصار المذهب الماركسي من قدرته على إقامة مجتمع مثالي تسوده العدالة و المساواة و تطبق فيه الأسس العلمية التي تضمن توزيع الإنتاج بعد تملك الدولة لوسائله فتمنع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، و تقدم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد،إلا أن هذا المذهب تعرض إلى عدة انتقادات منها ما يلي :
1- فكرة حتمية التاريخ التي تعتبر صلب المذهب غير سليمة فالأفراد وان كانوا محكومين لدرجة كبيرة بماضيهم و بالضر وف الحاضرة التي تحيط بهم فإنهم رغم ذلك يستطيعون بإراداتهم أن يشكلوا و يوجهوا و يختارون الطريق الذي يرونه ملائما لهم.
2- التفسير المادي للتاريخ و الطريقة الجدلية هي عبارة عن أفكار فلسفية تحتمل الصواب والخطأ .
3- رأي ماركس المتعلق بالصراع بين الطبقات غير صحيح حيث يقسم ماركس المجتمع إلى طبقتين "الطبقة الرأسمالية و طبقة البروليتاريا" و أساس هذا الجانب الاقتصادي فالطبقة العليا تملك و الأخرى مستغلة من طرف الأولى أن تقسم المجتمع لا يتفق مع الحقيقة إذا توجد الطبقة الوسطى.
4- يقرر المذهب الماركسي أن المرحلة الاشتراكية لا تأتي إلا بعد أن يكون الاقتصاد قد مر بمرحلة النظام الرأسمالي الصناعي حيث تتصارع بداخله عوامل الهدم الكانة و تستمر فيه حتى تصل بالنظام إلى نقطة يختفي فيها،ويفتح المجال بعد ذلك للاشتراكية محل النظام الذي انهار و هذا غير صحيح فمثلا لم يتحقق حتى الأن تفسر ماركس في الدول الرأسمالية مثل "ألمانيا و انجيلترا" بحيث لم تطبق فيها الاشتراكية في حين أن لدولتين "الاتحاد السوفياتي و الصين" عند ظهور الاشتراكية لم تمر بمرحلة النظام الرأسمالي.
5- ينادي ماركس في مذهبه بالثورة و استخدام العنف لبناء المجتمع الاشتراكي ،كما قد جعل الثورة مبدأ من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها مذهبه في حين أن مسألة الثورة لا تحتمل صفة المبدأ و إنما تؤخذ الثورة على أنها أمر عارض تقتضيه الضرورة و هو إجراء مؤقت لتغير الوضع غير السليم و مادام هو وضعاها فلا يمكن أن يترتب عليها مبدأ ثابت لا يتغير.(2)
الخاتمة
لم يكن ماركس مجرد مفكر سياسي ولكنه كان داعية للثورة و التغير، بل وسعى لترجمتها إلى الواقع . و أفكار ماركس قد ألهمت إيديولوجيات الملاين من البشر في كافة أنحاء العالم نظرا لمنطقيتها و الطابع الإنساني الغالب عليها و مناداتها بتحرير الإنسان من الاستغلال و الاضطهاد .
إلا أنها من الناحية الواقعية لم تطبق بأكملها ،و ما طبق منها لم يطبق على النحو الذي رآه ماركس. فلم يتم انهيار النظام الرأسمالي كما تصور و لم يزدد العال بؤسا و إنما اكتسبوا قوة بوسائل سلمية بدل من الثورة، إذا على الرغم من التسلسل المنطقي لأفكار ماركس من الناحية النضرية إلا انها من الناحية التطبيقية العملية لم تطبق و فقا لما جاء به ماركس و لكن طبقت بطريقة مخالفة.
فافكار ماركس جاءت في شكل تنبؤات لم يتحقق معظمها الى حد كبير و ان كانت قد قبلت بشكلها الكلي من جانب المؤمنين بأفكاره كعقيدة مغلقة غير قابلة للنقاش و الجدل .
فأفكار ماركس جاءت في شكل تنبوءات لم تتحقق معظمها إلي حد كبير وان كانت قد تقبلت بشكلها الكلي من جانب المؤمنين بأفكار كعقيدة معلقة فلم يتصور ماركس دور النقابات العمالية العالمية كجماعات ضغط قوية على الحكومات ،كما لم يتوقع أيضا أن يصبح العمال أصحاب مصلحة في استمرار النظام الرأسمالي نفسه وأن يصبح ركيزة المجتمع طبقة وسطى قوية .
الهوامش:
David Mclellan,the Thought of Karl Marx, 2 nd edition, Lordon:Macmillan,1980,pp: 3-12 (1)
(*) هيجل (1770 -1831م) فيلسوف ألماني كلاسيكي و مفكر مثالي
(**) أنجليز (1820-1895م) فيلسوف ومفكر شيوعي ألماني،دعم مذهب ماركس و كاب يهدف معه لإبراز تقدمية للفلسفة السائدة خاصة عند هيجل
(2) حورية توفيق مجاهد،الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده ،مصر،،مكتبة لأنجلو المصرية،1986:ص475
David Mclellan,the Thought of Karl Marx,pp:16 (3)
(1) حورية توفيق مجاهد،الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده، المرجع نفسه،ص :476
(*) البروليتاريا كلمة لاتينية تعني العمال الكادحين الذين يعتمدون على سواعدهم لكسب عيشتهم، و لا يملكون أرضا و لا مال.
(2) حورية توفيق مجاهد، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده،المرجع نفسه،ص :477
(1) حورية توفيق مجاهد، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده ، المرجع نفسه،ص:477
(*) وقد جاع كنتاج لتكليف من " عصبة الشيوعيين"- وهي جمعية عمال أممية سرية وذلك في مؤتمرها المنعقد في لندن في نوفمبر 1847-لكارل ماركس و انجلز بوضع "برنامج مفصل للحزب،نظري و تطبيقي،لينشر بالغات الانجليزية، و الفرنسية، و الألمانية ، و الايطالية و الفلمنكية و الدانمركية. كما صدرت بالغة الروسية منه في ديسمبر 1847.
Marx &Engels The Communiste Manifest,op,cit,pp,9 (2)
(3) عبد الحميد متولي، الوجيز في النظريات و الأنظمة السياسية ،القاهرة:دار المعارف،1959،ص:365
(4) حورية توفيق مجاهد، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده، المرجع السابق،ص :486
(5) محمد عبد المعز،النظريات و النظم السياسية ،بيروت:دار النهضة العربية للطباعة و النشر،1981م،ص:720
(1) محمد عبد المعز،النظريات و النضم السياسية،المرجع نفسه ،ص:726
(2) حورية توفيق مجاهد، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده ، المرجع السابق،ص :488
(1) حورية توفيق مجاهد، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده، المرجع السابق،ص :488
(1) محمد عبد المعز،النضم و النظريات،المرجع السابق ،ص:730
(2) عبد الحميد متولي، الوجيز في النظريات و الأنظمة السياسية ،المرجع السابق،ص:368
(1) عبد الحميد متولي، الوجيز في النظريات و الأنظمة السياسية ،المرجع نفسه ،ص:367
(2) يحي الجمال،الأنظمة السياسية المعاصرة،بيروت:دار النهضة العربية للطباعة و النشر ،1996،ص:774
(3) محمد عبد المعزنصر،النظريات و النضم السياسية، المرجع السابق ،ص:739
(1) يحي الجمال،الأنظمة السياسية المعاصرة ،المراجع السابق،ص:775
(2) محمد كمال ليلة، النظم السياسية(الدولة و الحكومة)،لبنان : دار النهضة العربية للطباعة و النشر 1969ص:215
(3) محمد عبد المعز،النظريات و النضم السياسية ،المرجع السابق ،ص:744
(4) سعيد بو الشعير، القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة، الجزائر:ديوان المطبوعات الجامعية،2005،ج2 ،ط7 ،ص:111
(5) محمد كامل ليلة،النظم السياسية ،المرجع السابق،ص:216
(1) سعيد بو الشعير، القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة، المرجع السابق،ص :
(2) يحي الجمال،الأنظمة السياسية المعاصرة ،المراجع السابق،ص:7
للامانة منقووول
الأحد 10 سبتمبر 2017, 12:57 من طرف kamelm
» مطابخ عصرية ومبتكرة من مؤسسة البيالي
الأحد 05 مارس 2017, 16:21 من طرف kamelm
» الامتحانات النهائية
السبت 04 مارس 2017, 07:42 من طرف محمد شهاب2008
» مواضبع امتحان اللغة الانجليزية مع الحلول
الجمعة 10 فبراير 2017, 17:40 من طرف المدير الشرفي للمنتدى
» مواضيع امتحان لعة فرنسية مع الحلول
الجمعة 10 فبراير 2017, 17:31 من طرف المدير الشرفي للمنتدى
» شركة نقل عفش بالمدينة المنورة 0556845966
الخميس 09 فبراير 2017, 21:25 من طرف kamelm
» صور مشبات ابو لؤي
الخميس 09 فبراير 2017, 18:30 من طرف kamelm
» 150 ملف حول الإدارة الشاملة
السبت 28 يناير 2017, 10:31 من طرف المدير الشرفي للمنتدى
» 150 ملف حول إدراة الموارد البشرية
السبت 28 يناير 2017, 10:31 من طرف المدير الشرفي للمنتدى